وربك يخلق ما يشاء ويختار وقد خاب من حمل ظلما

وربك يخلق ما يشاء ويختار وقد خاب من حمل ظلما


الشيخ / أحمد الشبكي


ظلم النفس يغير النعم له صور متعددة ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه
واختلف في المراد بالظلم على قولين أيضا : أحدهما : لا تظلموا فيهن أنفسكم بتحليلهن وقيل : بارتكاب الذنوب فيهن 
وظلم النفس حرام على العموم إلا أنه في الأشهر الحرم أشد تحريما
ويتضاعف العقاب بالعمل السوء فيها ، كما ضاعف الثواب بالعمل الصالح فيها ; فإن من أطاع الله في الشهر الحرام في البلد الحرام والمسجد الحرام ليس كمن أطاعه في شهر حلال في بلد حلال في بقعة حلال .وكذلك العصيان والعذاب مثله في الموضعين والحالين والصفتين ; وذلك كله بحكم الله وحكمته . 



وقد أشار تعالى إلى ذلك بقوله :

{ يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين }

لعظمهن وشرفهن في أحد القولين . واعلم أن تفضيل الأوقات والبقاع يشبه تفضيل الناس ، فتفضيل الناس بما يصدر عنهم من الأعمال الصالحة ، والأخلاق الكريمة ، وتفضيل غيرهم مما لا إرادة له بما يقارنه من الفضائل ، الواقعة فيه ، أو المقارنة له . فتفضيل الأوقات والبقاع إنما يكون بجعل الله - تعالى - بخبر منه ، أو بإطلاع على مراده ; لأن الله إذا فضلها جعلها مظان لتطلب رضاه ، مثل كونها مظان إجابة الدعوات ، أو مضاعفة الحسنات ،

كما قال - تعالى :

{ ليلة القدر خير من ألف شهر}

أي من عبادة ألف شهر لمن قبلنا من الأمم ،

وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -

صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام

والله العليم بالحكمة التي لأجلها فضل زمن على زمن ، وفضل مكان على مكان والأمور المجعولة من الله - تعالى - هي شئون وأحوال أرادها الله ، فقدرها ، فأشبهت الأمور الكونية ، فلا يبطلها إلا إبطال من الله تعالى ، كما أبطل تقديس السبت بالجمعة ، وليس للناس أن يجعلوا تفضيلا في أوقات دينية : لأن الأمور التي يجعلها الناس تشبه المصنوعات اليدوية ، ولا يكون لها اعتبار إلا إذا أريدت بها مقاصد صالحة فليس للناس أن يغيروا ما جعله الله - تعالى - من الفضل لأزمنة أو أمكنة أو ناس .



فلا تظلموا فيهن أنفسكم 


تفريع على منها أربعة حرم فإنها ، لما كانت حرمتها مما شرعه الله ، أوجب الله على الناس تعظيم حرمتها بأن يتجنبوا الأعمال السيئة فيها . 
فالضمير المجرور بـ ( في ) عائد إلى الأربعة الحرم : لأنها أقرب مذكور ، ولأنه أنسب بسياق التحذير من ارتكاب الظلم فيها ، وإلا لكان مجرد اقتضاب بلا مناسبة ،
وعن ابن عباس أنه فسر ضمير فيهن بالأشهر الاثني عشر فالمعنى عنده : فلا تظلموا أنفسكم بالمعاصي في جميع السنة يعني أن حرمة الدين أعظم من حرمة الأشهر الأربعة [ ص: 186 ] في الجاهلية ، وهذا يقتضي عدم التفرقة في ضمائر التأنيث بين ( فيها ) و ( فيهن ) وأن الاختلاف بينهما في الآية تفنن وظلم النفس هو فعل ما نهى الله عنه وتوعد عليه ، فإن فعله إلقاء بالنفس إلى العذاب ، فكان ظلما للنفس

قال تعالى :

ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله

الآية

وقال ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه  . والأنفس تحتمل أنها أنفس الظالمين في قوله : فلا تظلموا أي لا يظلم كل واحد نفسه . ووجه تخصيص المعاصي في هذه الأشهر بالنهي : أن الله جعلها مواقيت للعبادة ، فإن لم يكن أحد متلبسا بالعبادة فيها فليكن غير متلبس بالمعاصي ، وليس النهي عن المعاصي فيها بمقتض أن المعاصي في غير هذه الأشهر ليست منهيا عنها ، بل المراد أن المعصية فيها أعظم وأن العمل الصالح فيها أكثر أجرا ،
ويجوز أن يكون الظلم بمعنى الاعتداء ، ويكون المراد بالأنفس أنفس غير الظالمين ، وإضافتها إلى ضمير المخاطبين للتنبيه على أن الأمة كالنفس من الجسد على حد

قوله  تعالى :

فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم

، أي على الناس الذين فيها على أرجح التأويلين في تلك الآية ،

وكقوله :

إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم

والمراد على هذا تأكيد حكم الأمن في هذه الأشهر ، أي لا يعتدي أحد على آخر بالقتال



وأقسام الظلم ثلاثة أقسام :


 • ظلم بين الإنسان وبين الله تعالى و أعظمه الشرك بالله . 



وإياه قصد

بقوله:

أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ

[هود:18]


وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا


• ظلم بينه وبين الناس. •


وإياه قصد

 وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ


ظلم بينه و بين نفسه .


و كل هذه الثلاثة في الحقيقة ظلم للنفس ، فإن الإنسان أول ما يَهُمّ بالظلم فقد ظلم نفسه
وفي إشارة واضحة إلى هذه الأنماط من الممارسات الظالمة

قال النبي

( الظلم ثلاثة ، فظلم لا يغفره الله ، وظلم يغفره الله ، وظلم لا يتركه الله : فأما الظلم الذي لا يغفره الله فالشرك إن الشرك لظلم عظيم وأما الظلم الذي يغفره الله فظلم العباد لأنفسهم فيما بينهم وبين ربهم ، وأما الظلم الذي لا يتركه الله ، فظلم العباد بعضهم بعضا ، حتى يدين لبعضهم من بعض )



والظلم له شقان :

1- ترك العمل الفاضل تفويت الزمن الصالح و ترك الحسنات،،
   2-ارتكاب السيئات .أي بعمل المحرمات ."
الظلم: في أصله اللغوي يدل على وضع الشيء في غير موضعه، إما بنقصان أو بزيادة، وإما بعدول عن وقته أو مكانه. وقد جاء لفظ (ظلم) في القرآن باشتقاقاته المختلفة في أكثر من مائتي موضع؛

وأكثر ما جاء بصيغة الفعل، كـقوله تعالى:

{ظلم} (الكهف:87)، و{أظلم} (البقرة:20)، و{يظلمون} (البقرة:57)، و{تظلمون} (البقرة:279)، و{يظلم} (النساء:40)، و{ليظلمهم} (التوبة:70)، و{ظلمتم} (البقرة:54)، و{ظلمهم} (آل عمران:117)، و{ظلموا} (البقرة:59)، {ظلمت} (يونس:54)، {ظلمناهم} (هود:101)، و{ظلمونا} (البقرة:57)، و{ظلمك} (ص:24)؛

وجاء بصيغة اسم الفاعل بدرجة أقل، كـقوله سبحانه:

{ظالم} (الكهف:35), و{ظالمون} (البقرة:51)، و{ظالمة} (هود:102)؛

وجاء بصيغة الاسم في ستة عشر موضعاً، من ذلك قوله تعالى:

{فبظلم من الذين هادوا} (النساء:160)

،

وجاء بصيغة الاسم المشبه بالفعل في موضعين، أحدهما: قوله تعالى:

{إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم} (النساء:97)؛

وجاء مرة واحدة بصيغة اسم المفعول، وهو قوله تعالى:

{ومن قتل مظلوما} (الإسراء:33). 

وتوارد هذا اللفظ في القرآن على هذه الشاكلة، من حيث الكثرة، ومن حيث تنوع الاشتقاقات، لا بد أنه يحمل دلالات عدة، يبدو لنا منها أمران:

 
أحدهما: أن القرآن الكريم أراد أن يصف كل عمل لا يوافق ما أمر الله به ورسوله بأنه ظلم؛ لأنه خروج وإعراض عن أمر الله ورسوله؛ ويكون ذلك إما بظلم الإنسان لنفسه، كتركه للأوامر، وإتيانه للنواهي؛ وإما بظلمه لغيره، كأكله أموال الناس بالباطل. 


ثانيهما: دعوة القرآن المسلم إلى تجنب الظلم ومحاربته؛ لأن الظلم ليس من صفات المؤمن الحق. 

ثم إن الظلم ليس على درجة واحدة، بل هو درجات ومراتب؛ فمنه ظلم بين الإنسان وبين خالقه، وأعظمه الكفر، والشرك، والنفاق،

قال تعالى:

{إن الشرك لظلم عظيم}

(لقمان:13)،

وقال سبحانه:

{والكافرون هم الظالمون}

(البقرة:254)؛

وظلم بين الإنسان وبين الناس، قال تعالى:

{إنما السبيل على الذين يظلمون الناس}

(الشورى:42)؛

وظلم بين الإنسان ونفسه، بإرهاقها بالذنوب والمعاصي، وتفريطها في حق الله، قال تعالى:

{فمنهم ظالم لنفسه}

(فاطر:32).

وهذه الأقسام الثلاثة عند التحقيق والتدقيق ظلم للنفس؛ فإن الإنسان أول ما يهمُّ بالظلم فقد ظلم نفسه، فالظالم -بداية ونهاية- ظالم لنفسه؛ لذلك قال تعالى في أكثر من موضع من كتابه:

{وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون}

(آل عمران:117)



لنعظم ما عظم الله ونتذكر

قوله تعالى :

(ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ )


قال الإمام اليفوى "قال قتادة العمل الصالح أعظم أجرآ فى الأشهر الحرم والظلم فيهن أعظم من الظلم فيمن سواهن وإن كان الظلم على كل حال عظيمآ قال ابن عباس رضى الله عنه " فلا تظلموا فيهن أنفسكم " أى يريد إستحلال الحرام والغارة فيهن ."
فإرتكاب محارم الله كلها والفواحش ما ظهر منها وما بطن ظلم للنفس حرمه الله تعالى ونها عنه كما نهى الله تعالى عن ظلم الإنسان لغيره

 { وأعد  للظالمين نارآ أحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوى الوجوة بئس الشراب وساءت مرتفقا }

الكهف 29


فظلم النفس الذى هو ترك طاعة الله وترك الإنقياد لإمتثال أوامره وإجتناب نواهيه محرم بنص القرآن الكريم وأيضآ ظلم الناس بعضهم لبعض محرم على الدوام ولكنه فى شهر رجب أشد تحريمآ وكذا فى بقية الاشهر الحرم .

{ وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا }

أي: من تجرأ على المعاصي واقتحم على الإثم ثم استغفر الله استغفارا تاما يستلزم الإقرار بالذنب والندم عليه والإقلاع والعزم على أن لا يعود. فهذا قد وعده من لا يخلف الميعاد بالمغفرة والرحمة.
فيغفر له ما صدر منه من الذنب، ويزيل عنه ما ترتب عليه من النقص والعيب، ويعيد إليه ما تقدم من الأعمال الصالحة، ويوفقه فيما يستقبله من عمره، ولا يجعل ذنبه حائلا عن توفيقه، لأنه قد غفره، وإذا غفره غفر ما يترتب عليه.
واعلم أن عمل السوء عند الإطلاق يشمل سائر المعاصي، الصغيرة والكبيرة، وسمي "سوءًا" لكونه يسوء عامله بعقوبته، ولكونه في نفسه سيئًا غير حسن.
وكذلك ظلم النفس عند الإطلاق يشمل ظلمها بالشرك فما دونه. ولكن عند اقتران أحدهما بالآخر قد يفسر كل واحد منهما بما يناسبه، فيفسر عمل السوء هنا بالظلم الذي يسوء الناس، وهو ظلمهم في دمائهم وأموالهم وأعراضهم.
ويفسر ظلم النفس بالظلم والمعاصي التي بين الله وبين عبده، وسمي ظلم النفس "ظلما" لأن نفس العبد ليست ملكا له يتصرف فيها بما يشاء، وإنما هي ملك لله تعالى قد جعلها أمانة عند العبد وأمره أن يقيمها على طريق العدل، بإلزامها للصراط المستقيم علمًا وعملاً، فيسعى في تعليمها ما أمر به ويسعى في العمل بما يجب، فسعيه في غير هذا الطريق ظلم لنفسه وخيانة وعدول بها عن العدل، الذي ضده الجور والظلم.
قيل في تفسير هذه الآية : أن عمل السوء أريد به عمل السوء مع الناس ، وهو الاعتداء على حقوقهم ، وأن ظلم النفس هو المعاصي الراجعة إلى مخالفة المرء في أحواله الخاصة ما أمر به أو نهي عنه .

السابق التالى

مقالات مرتبطة بـ وربك يخلق ما يشاء ويختار وقد خاب من حمل ظلما

  • هل قدرة الله محدودة؟

    يوسف استس

    هل الله يستطيع أن يفعل أي شيء؟ على سبيل المثال : "هل يستطيع أن يخلق صخرة كبيرة بحيث لا شيء يمكنه تحريكها؟" إذا

    19/11/2009 38452
  • حقيقة التوحيد

    محمد بن إبراهيم التويجري

    حقيقة التوحيد و لبابه أن يرى الإنسان ربه ملك الملوك يخلق و يرزق ، و يعطي و يمنع ، و يأمر و ينهي ، و يفعل ما يشاء

    17/01/2018 7106
  • المقدم والمؤخر جل جلاله

    عبد الله بن مشبب بن مسفر القحطاني

    يقول ابن القيم رحمه الله: "فالعبد سائر لا واقف؛ فإما إلى فوق وإما إلى أسفل، إما إلى أمام وإما إلى وراء. وليس في

    29/12/2022 289
معرفة الله | علم وعَملIt's a beautiful day