أن العبادات القلبية يستمر بعضها في أحوال تنقطع فيها عبادات الجوارح أو تقل
· فمثلاً: إذا مات الإنسان انقطع عمله الذي يباشره بنفسه هو، ويبقى ما ورثه من الولد الصالح...إلخ . لكن الأعمال التي يعملها هو من صلاة وصيام ...إلخ تنقضي، ولكن الأمور القلبية:التوحيد: يسأله الملكان فيجيب، يسألانه عن الإيمان، وفي الجنة، وفي جميع أحوال العبد إذا كان لديه إدراك، فإن قلبه متعلق بمولاه .. هذا المؤمن، فأهل الجنة يحبون الله، ويعظمونه، ويجلونه، ويقدسونه، وهذا عمل قلبي، ولكنهم لا يصلون في الجنة، ولا يصومون في الجنة؛ فليست الجنة محلاً لهذه التكاليف، أما الأمور القلبية فهي تستمر، أو يستمر كثير منها، أما التسبيح فإن أهل الجنة يلهمونه إلهاماً كما يلهمون النفس فلا يرد على هذا .الثاني عشر:أن العبادات القلبية هي الأصل وأن أعمال الجوارح فرع عنها: ومعلوم من أصول أهل السنة والجماعة: أن الإيمان: قول وعمل، قول القلب واللسان، وعمل القلب والجوارح. فالقلب يصدق، واللسان يشهد، والقلب يعمل عمله من توكل، ومحبة، وإخبات.. وما إلى ذلك. واللسان يعمل: ذكراًَ، وقراءة
للقرآن، وقولاً للحق، والجوارح: تسجد وتركع، وتعمل الصالحات التي تقرب إلى الله عز وجل.
فعمل القلب هو الأصل، فلو انتفى التصديق الانقيادي، والإقرار من القلب ماذا يحصل؟ لا يقبل عمل من أعمال الإنسان البتة، يقول ابن القيم رحمه الله:'أعمال القلوب هي الأصل المراد المقصود، وأعمال الجوارح تبعاً، ومكملة، ومتممة' يقول:' وأما النية فبمنزلة الروح، والعمل بمنزلة الجسد للأعضاء الذي إذا فارق الروح كمواتها، وكذلك العمل إذا لم تصحبه النية، فحركة عابث، فمعرفة أحكام القلوب أهم من معرفة أحكام الجوارح؛ إذ هي أصلها وأحكام الجوارح متفرعة عنها'[بدائع الفوائد 3/224].
وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية كلاماً يشبه هذا: [انظر الفتاوي 10/5-6و15، 355، شرح حديث: [ يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي] ص 45]، وكذا ذكره ابن القيم في مواضع من كتبه: [انظر بدائع الفوائد 3/230 الصلاة ص 54، المدارج 1/101] . لأن أصل الدين هو الأمور الباطنة، ويكفي هذا في بيان المعنى.