الأدلة على تحريف التوراة
في هذا المقال نقدم الأدلة – وليس دليلاً واحدًا – على تحريف التوراة والإِنجيل .. الأدلة المنطقية .. والموضوعية . القائمة على الاستقراء لواقع هذه التوراة وهذا الإِنجيل .. بل والشهادات التي شهد بها على هذا التحريف « شهود من أهلها » - أي من اليهود والنصارى -
وأول هذه الأدلة :
إِن التوراة هي الكتاب الذي أنزله الله – سبحانه وتعالى – على موسى – عليه السلام - .. وموسى قد ولد ونشأ ، وتعلم ، وبُعث وأوحى إِليه بمصر .. ونزلت عليه التوراة باللغة الهيروغليفية – لغته ولغة بني إِسرائيل في مصر - .. ولقد مات موسى ، ودفن بمصر ، قبل دخول بني إِسرائيل – بقيادة يوشع بن نون – إِلى أرض كنعان – فلسطين – وقبل نشأة اللغة العبرية بأكثر من مائة سنة – إِذ العبرية – في الأصل – لهجة كنعانية - .
فأين هي التوراة التي نزلت على موسى بالهيروغليفية ؟ .. هل لها وجود أو أثر في التراث الديني اليهودي ؟ ..
الجواب – الذي يجمع عليه الجميع – وفي مقدمتهم اليهود - : أنه لا وجود لهذه التوراة ! .
وثاني هذه الأدلة :
أن موسى – عليه السلام – الذي نزلت عليه التوراة ، بالهيروغيلفية – قد عاش ومات في القرن الثالث عشر قبل الميلاد .. بينما حدث أول تدوين لأسفار العهد القديم – على يدي « عزرا » - أي في منتصف القرن الخامس قبل الميلاد – بعد عودة اليهود من السبي البابلي ( 597 – 538 ق . م ) – الأمر الذي يعني أن التراث اليهودي قد ظل تراثًا شفهيًا لمدة ثمانية قرون – عبد أثناءها بنو إِسرائيل العجل تارة .. وأوثان الكنعانيين تارة أخرى .. وانقلبوا فيها على أنبيائهم في الكثير من الأحيان .
فهل يتصور عاقل أن يظل تراث ديني ، في الحالة الشفهية ، على امتداد ثمانية قرون ، شهدت كل هذه الانقلابات ضد أصوله الأولى – توراة موسى عليه السلام – دون أن يصيبه التحريف والتغيير والتبديل والحذف والإِضافة والنسيان ؟ ! ..
وثالث هذه الأدلة :
على حدوث التحريف في أسفار العهد القديم هو هذه التناقضات الصارخة القائمة فيها حتى الآن .. إِذ لو كانت هذه الأسفار هي كلمة الله التي نزلت على موسى ، عليه السلام ، لاستحال أن يدخلها التناقض أو الاختلاف .
ولأن حصر التناقضات التي تمتلئ بها أسفار العهد القديم يحتاج إِلى « سِفْر » .. فإننا سنكتفي – هنا – مراعاة للمقام – بضرب الأمثلة – على سبيل المثال
1 – فاسم الله – في هذه الأسفار – أحيانًا يكون (( يهوه )) .. وأحيانًا يكون « إِيلوهيم » ، الأمر الذي يشهد على اختلاف العصور ، وتعدد المواريث الدينية ، وتنوع الثقافات اللاهوتية ، وتمايز المصادر التي جُمعت وأُدخلت – بعد ثمانية قرون – وعبرها في هذه الأسفار .
2 – وفي الحديث عن بدء الخلق – الذي ورد في الأسفار – نجد العديد من الاختلافات والتناقضات .
ففي سفر واحد ، هو سفر التكوين نجد :
أن النور قد خلق في اليوم الأول – تكوين 1 : 5 .
ثم نجد أنه قد خلق في اليوم الرابع – تكوين 1 : 16 – 19 - .
.. والشمس :
يُقال – مرة – إِنها خلقت في اليوم الأول – تكوين 1 : 5 .
ومرة ثانية يُقال إِنها خُلقت في اليوم الرابع – تكوين 1 : 14 – 19 .
… وكذلك الحال في تاريخ خلق الكائنات الحية .
ففي سفر التكوين 1 : 20 – 23 – أن الحيوانات والطيور خُلقت أولاً – في اليوم الخامس – وأن آدم خُلق في اليوم السادس .
ثم يعود نفس السفر – التكوين 2 : 7 – 10 فيقول : إِن الإِنسان خُلِقَ ، أولاً ثم النباتات ، ثم الحيوانات والطيور .
فهل يمكن أن تكون هذه الاختلافات والتناقضات ، هي كلمة الله – التوراة – التي أوحى بها إلى موسى – عليه السلام - ؟ ! .
3 – وفي الحديث عن عمر الزمان – من آدم إِلى طوفان نوح – عليهما السلام – نجده :
في التوراة العبرية 1656 عامًا .
وفي النسخة اليونانية 2262 عامًا .
وفي النسخة السامرية 1307 أعوام .
فهل يجوز أن ينسب هذا الاختلاف إِلى الله .. خالق الزمان .. والعلام بأيامه وثوانيه ؟ ! .
4 – وفي الحديث عن تاريخ نزول إِبليس إلى الأرض . نجده :
مرة : قبل خلق آدم ودخوله الجنة – رؤيا يوحنا اللاهوتي 12 : 7 – 10 .
ومرة : بعد خلق آدم ومعصيته في الجنة – التكوين 3 : 1 – 15 .
5 – وفي مدة طوفان نوح – عليه السلام - .. نجدها :
في سفر – التكوين 7 : 24 – نجد مدة الطوفان 150 يومًا .
فبماذا نسمى ذلك إِلا أن يكون اختلافًا وتحريفًا وتزييفًا ؟! .
6 – وفي الحديث عن عدد سنين الجوع التي حكم الله بها على داود – عليه السلام – نجدها :
سبع سنين – في صموئيل الثاني 24 : 13 .
وثلاث سنين – في أخبار الأيام الأول 21 : 11 .
7 – وفي الحديث عن عدد المراكب التي قضى عليها داود – عليه السلام – في (( أرام )) .. نجده :
700 مركبة .. و 000و40 فارس – في صموئيل الثاني 10 – 18 .
و 000ر7 مركبة 00و000و40 رجل – في أخبار الأيام الأول 19 : 18 .
8 - وفي الحديث عن عدد اليهود الذين أطلقوا من سبى بابل .. نجده :
377ر6 – في عزرا (2) .
و 265و7 – في نحميا (7) .
9 – وفي الحديث عن دخول بني إسرائيل أورشليم واستيلائهم عليها :
يُقال إِنهم دخلوها واستولوا عليها وقتلوا ملكها – في يشوع 10 : 23 – 42 .
10 – وفي الحديث عن تحريم زواج الإِسرائيليين من غير الإِسرائيليات .. نجد :
في سفر التثنية 7 : 3 : « ولا تصاهرهم ، بنتك لا تعط لابنه ، وبنته لا تأخذ لابنك » .
بينما نجد في سفر الملوك الأول 3 : 1 – 12 : وصاهره سليمان فرعون مصر ، وأخذ بنت فرعون .. هوذا أعطيتك قلبًا حكيمًا ومميزًا حتى أنه لم يكن مثلك قبلك ولا يقوم بعدك نظير » .
ثم نجد – في نحميا 13 : 26 – 27 - : « تم لوم سليمان لزواجه من الأجنبيات » .
11 – وفي الحديث عن تسبيح الأرض وحمدها الله – سبحانه وتعالى – نجد :
الأرض تسبح وتحمد الله – في المزمور 66 .
بينما نجد الأرض لا تسبح الله ولا تحمده – في المزمور 30 : 9 .
12 – كما نجد التوراة السامرية – التي ترجع إِلى القرن الرابع ق . م تختلف عن النص الماسورى (4) في أكثر من 6000 موضع ! .
13 – ونسخة التوراة السامرية تتفق مع الترجمة السبعينية ( 250 – 130 ق . م ) في الثلث فقط ! .
14 – وسفر إِرميا – في الترجمة السبعينية – ينقص عن النص العبري نحو السبع ! .
15 – وسفر أيوب – في الترجمة السبعينية – ينقص عن النصر العبري نحو الربع ! .
16 – كما نجد أسفار العهد القديم لا تتحدث عن موسى – عليه السلام – بلسان المخاطب – أي أنها لم تنزل عليه – وإِنما تتحدث عنه – كثيرًا – بضمير الغائب – أي أنها تراث جُمع ودوِّنَ بعد وفاته - .. ومن ذلك – على سبيل المثال - :
« وكلم يهوه موسى .. وكلم يهوه موسى وجهًا لوجه » - الخروج 33 : 11 .
« وأما الرجل موسى فكان حليمًا جدًا أكثر من جميع الناس الذين على وجه الأرض » - العدد 12 : 3 - .
« فسخط موسى على وكلاء الجيش » - العدد 31 : 4 - .
« موسى رجل الله » التثنية 31 : 1 - .
« ومات هناك موسى عبد الرب » - التثنية 34 : 35 - .
« فقال الرب لموسى » - الخروج 6 : 1 - .
« فتكلم موسى أمام الرب » - الخروج 6 : 13 - .
« فقال موسى للرب » - العدد 11 : 11 - .
« وقال الرب لموسى » التثنية 31 : 14 .
« فمات هناك موسى .. ودفنه ( الرب ) .. وكان موسى ابن مئة وعشرين سنة حين مات .. ولم يقم بعد نبي في إِسرائيل مثل موسى » - التثنية 34 : 5 – 10 .
وفي الآية 6 – من نفس السفر ونفس الإِصحاح – إشارة إِلى وفاة موسى ، تقول :
« لا يعرف شخص قبره حتى يومنا هذا » .
فهل هذا « الكلام » نزل على موسى – في التوراة – أم إِضافات وتأليفات أُدخلت في هذا التراث ، بعد وفاة موسى – عليه السلام – بقرون » ؟! .
17 – ثم هناك اختلافات الكنائس النصرانية في عدد أسفار العهد القديم التي تؤمن بها هذه الكنائس :
فالبروتستانت يؤمنون بستة وستين سفرًا .
والكاثوليك يؤمنون بثلاثة وسبعين سفرًا .
والأرثوذكس يؤمنون بستة وستين سفرًا .
وأخيرًا .. شهد البابا شنودة – الثالث – بابا الأرثوذكس المصريين – في عظته الأسبوعية – بأن أسفار العهد القديم الحالية قد حذفت منها الأسفار القانونية ، التي تؤمن الكنيسة الأرثوذكسية بأنها جزء من العهد القديم (5) .
تلك أمثلة – مجرد أمثلة – على التناقضات .. والاختلافات ، التي تزخر بها أسفار العهد القديم .. والشاهدة على تحريف هذه الأسفار .. والقاطعة بأنها لا يمكن أن تكون هي كلمة الله التي أنزلها على موسى – عليه السلام - .
هوامش:
4ـ الماسورة هي مجموعة القواعد التي وضعها الحاخامات عبر القرون .. والتي تتصل بطريقة هجاء وقراءة وكتابة العهد القديم – فالنص الماسوري هو النص الحاخامي – انظر : د . عبد الوهاب المسيري ( موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية ) جـ 5 ص 89 . طبعة دار الشروق – القاهرة.
5ـ انظر – في كل ذلك : فؤاد حسنين على ( التوراة عرض وتحليل ) ص : 16 ، 21 ، 22 ، 24 ، 26 طبعة القاهرة سنة 1941 وسمير سامي شحاته ( الاختلافات في الكتاب المقدس ) ص : 37 – 92 – طبعة مكتبة وهبة – القاهرة سنة 1426 هـ سنة 2005 م . وصحيفة ( وطني ) – القاهرة – في 5 / 10 / 2006 م . وعبد السلام محمد عبد الله ( هل الكتاب المقدس معصوم ؟ ) طبعة مكتبة النافذة – القاهرة سنة 2007 م .