الإحسان اصطلاحا
و يختلف معنى الإحسان اصطلاحا بمختلف السياق الذي يردُ فيه لفظ الإحسان ؛ فإذا اقترن الإحسان بالإيمان و الإسلام كان المرادُ به الإشارةَ إلى المراقبة ، و حسن الطاعة ، و هذا هو الذي فسَّره النبي صلى الله عليه وسلم في جوابه على جبريل عليه السلام : " الْإِحْسَانِ انْ تَعْبُدَ الْلَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ" .
أما إن ورد الإحسان مطلقاً دون أن يكون مقترناً بالإسلام و الإيمان ؛ فإن المراد به فعل ما هو حسن . و الحسن وصفُ مشتقُ من الحسن الذي يراد به اصطلاحاً ؛ كما يقول الجرجاني (1) : " ما يكون متعلق المدح في العاجل ، و الثواب في الآجل "
و ذهب التهانويُّ و غيره (2) : إلى أن لفظ الحسن يطلق و يرادُ به اصطلاحاً و احدا ً من أمور ثلاثة :
الأول : كون الشئ ملائماً للطبع ، و ضده القبح بمعنى كونه منفراً ؛ فإذا لائم الشئ طبعك فهو شئٌ حسنٌ .
المعنى الثاني : كون الشئ صفة كمال و ضده القبح . وكونه صفة نقصان ، و ذلك ؛ كالعلم ، و الجهل . فالعلم شئٌ حسن و الجهل ضده شئ قبيح .
الأمر الثالث : كون الشئ يتعلق به المدح ، و ضده القبح . بمعنى : كونه يتعلق به الذم .
قال المناويُ : الأحسان : " إسلامٌ ظاهر ٌ يقيمه إيمانٌ باطن ، يكمله إحسانٌ شهوديٌ " . بمعني أن تشاهد الله حيال تعبدك له - تبارك و تعالى – في كلَّ وقتٍ و حين ، فالإحسان يستغرق الدين كلَّه .
قال الراغب الأصفهانيُّ (3) : " الإحسان فعل ما ينبغي فعله من المعروف ، و هو على وجهين :
أحدهما : الإنعام على الغير ( إن أنعمت عليه ، فهذا إحسان منك إليه )
و الثاني : الإحسان في فعله ( أن تحسن في فعلك أنت )، و ذلك إذا علم علماً حسناً ، أو عمل عملاً حسناً ، و منه قول عليٍّ رضي الله عنه : " إن الناس أبناء ما يحسنون " (4) .
أي : منسوبون إلى ما يعملون ، وما يعلمونه من الأقوال و الأفعال الحسنة . و يأتي الإحسان على درجات متعددة ، و كلُّها تنضوي تحت المفهوم الشامل السابق . و أعلاها – أعلى هذه الدرجات – ما كان في جانب الله تعالى ، و هو الذي فَسَّرَهُ النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : " انْ تَعْبُدَ الْلَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ "
و تأتي بعد ذلك مراتب أخرى للإحسان ، سواءٌ في القصد أو الفعل .
--------------------------
(1) " التعريفات" للجرجاني (40)
(2) " التعريفات " (117)، و " التوقيف على مهمات التعريف " للمناوي (279) ط دار الفكر .
(3) " المفردات في غريب القرآن " (119) للراغب الأصفهاني ت 502 هـ ، و " فيض القدير " ( 1/ 124) للمناوي .
(4) اورده ابن عبد البر في " جامع بيان العلم " ( 608) بغير سند .