الافتقار إلى الله زاد المسافر
الحمد لله فاطر السماوات والأرض, جاعل الملائكة رسلاً أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع, يزيد في الخلق ما يشاء وهو السميع العليم, يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور, يرى دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء, لا تواري عنه سماء سماء, ولا أرض أرضاً, ولا بحر ما في قعره, ولا جبل ما في وعره, لا ينام, ولا ينبغي له أن ينام, يرفع القسط ويخفضه, سبحانه جل في علاه, والصلاة والسلام على أشرف المرسلين, صلى الله عليه وسلم. أخي الكريم: إن المسافر إلى ربه جل في علاه يداوم على الطاعة؛ لأن عظمة الهمة العالية في صدره, فلا يرضى بالقليل، وهو يعلم أن من زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز, فلا يرضى بغير مرافقة النبي صلى الله عليه وسلم, ولا يرضى بدرجة سفلى في الجنة، إلا بالفردوس الأعلى, فهذا حال المسافر المجد الذي يعلم إنه إذا اجتهد بلغ عند ربه مرتبة عالية في الجنة، في مقعد صدق عند مليك مقتدر, يوم أن يقترب يوم الزيارة من ربه جل وعلا.
أخي المسافر: تذكر أن زادك وأنت ترحل إلى ربك جل وعلا أن تفتقر كل الفقر لربك، وإن استغنى الناس بغير الله, واستغنوا بالجاه أو السلطة أو المال أو الولد، فاستغن أنت بربك جل في علاه, ومن كان الله معه فمن عليه؟! فمن استغنى بالله فافتقر فإنه لا يفتقر إلا إلى ربه جل وعلا. لسان حال المسافر يقول: إذا اكتفى أهل الدنيا بنعيمها، فلا أكتفي أبداً من فضل الله وسعة رحمته، ولا غنى لي عن بركته, وهذا فقه عال، كما فعل ذلك أيوب -صلى الله عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام- لما شفاه الله وأمر السماء أن تنزل عليه جراداً من ذهب جعل يحثو في ثيابه، فقال له الله جل وعلا: يا أيوب! ألم أكن قد أغنيتك؟ فقال -بفقه عالٍ وهمةٍ كبيرة- لا غنى لي عن بركتك.
فهذا حال المسافر إلى ربه جل وعلا. وإذا أنس أهل الدنيا بأحبابهم أنس المسافر بربه, وإذا استغنى أهل الدنيا بالدينا, استغنى هو بالله، فهو يتودد إلى ربه بالطاعات ويطمع في كرمه بالدعوات, ويريد العزة بالذل له, والرفعة بالتواضع له.