التحذير من هجر القرآن
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم. مما حدثنا الله تبارك وتعالى به أن رسولنا صلى الله عليه وسلم يشكو أمته إلى ربه: وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا [الفرقان:30]، وهذا حصل في كثير من فترات التاريخ، ومنها أيامنا هذه حيث هجرت الأمة كتاب الله تبارك وتعالى، وأصبح القرآن لوحات تعلق على الجدران، وزينة تزين بها المكاتب، وملصقات توضع على السيارات، أما أن يكون القرآن دستوراً، وشريعة، وإطاراً لحياتنا فقد تركنا ذلك وهجرناه.
هذه شكوى قائمة في أيامنا من كثير من المسلمين، أصبح القرآن يقرأ في المآتم وفي المقابر، أما أن يكون القرآن حياة للقلوب، وحكماً في الوزارة وفي الدائرة وفي السوق وفي كل مكان، ويكون منهجاً في التربية والتعليم، وضابطاً لمختلف العلوم؛ فهذا بعيد إلا من رحم الله. هذه شكوى من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يحدث رب العزة تبارك وتعالى: وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا [الفرقان:30]، وتلك جريمة.
فإذا كان الذي يؤتى آية من كتاب الله ثم ينساها تعد هذه جريمة في ميزان الله تبارك وتعالى فكيف بالأمة إذا تركت هذا الكتاب؟! يقول رب العزة تبارك وتعالى: كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا [طه:99] أي: القرآن، مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا [طه:100] أي: يأتي مثقلاً بآثامه وأوزاره يحملها فوق ظهره، ثم تكون النتيجة أن هذا الوزر يلقيه في نار جهنم فيخلد فيها، خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا * يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا [طه:101-102]. ويقول رب العزة في الذي يعرض عن الهدى: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا [طه:124]، وذكر الله فينا هو كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى * وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ [طه:124-127] أي: مثل هذا الجزاء نجازي به من أسرف على نفسه بالكفر والشرك والذنوب والمعاصي. هذه نتيجة الإعراض عن كتاب الله في الدنيا: معيشة ضنك، يشقى بنفسه وبأهله وبولده وبماله، كثير من الناس النعمة تتحول النعمة في حقه إلى نقمة؛ لأنه نسي الله فأنساه الله تبارك وتعالى نفسه، وحاله يوم القيامة كما قال الله: وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى [طه:124-125] بصيرتك عميت في الدنيا عن كتاب الله ونور الله وهدى الله، فيحشره ربه تبارك وتعالى أعمى، فالجزاء من جنس العمل. أما الذين اهتدوا فزادهم الله هدى، أما الذين استناروا فلهم النور التام يوم القيامة، يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ [الحديد:12]، الذين استناروا في الدنيا بهذا الكتاب، اطمأنت نفوسهم، وهدأت قلوبهم، وتوكلوا على ربهم تبارك وتعالى، وعاشوا في الدنيا بقلوب متعلقة بالله، وبما عند الله تبارك وتعالى، فيكون قدومهم على الله تبارك وتعالى هو يوم الفرح الأكبر، والحظ العظيم، والبشرى التي لا بشرى بعدها. جعلني الله وإياكم من الذين يفقهون هذا الكتاب، ويتدارسونه بينهم، ويعنون به علماً وعملاً وفقهاً وتعليماً. اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وكفر عنا سيئاتنا، وألهمنا رشدنا. اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، والباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه. اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، إنك قريب مجيب سميع الدعوات.