الخشوع في الكتاب والسنة
تكرر الخشوع في كتاب الله عز وجل، وجاء في معان متعددة: منها الذل، وسكون الجوارح، والخوف، والتواضع، وهذه أربعة معان، ويمكن أن يضاف إليها معنى خامس: وهو الجمود واليبس:
فأما المعنى الأول: وهو مجيء الخشوع بمعنى الذل: فكما قال الله عز وجل:
"وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا[108]"
[سورة طه]
أي: ذلت، ويقول الله تعالى:
" لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْءَانَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا[21]"
[سورة الحشر]
أي: ذليل، وقال:
"وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ[2]"
[سورة الغاشية] .
وأما الخشوع بمعنى سكون الجوارح:
فكما قال الله عز وجل:
"الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ[2]"
[سورة المؤمنون] .
قال الحسن:' كان خشوعهم في قلوبهم، فغضوا بذلك أبصارهم، وخفضوا لذلك الجناح' .
وقال مجاهد رضي الله عنه:' هو السكون' .
وجاء عن ابن عمر رضي الله عنه:' إذا قاموا في الصلاة أقبلوا على صلاتهم، وخفضوا أبصارهم إلى موضع سجودهم، وعلموا أن الله يقبل عليهم فلا يلتفتون يمينًا وشمالًا' .
وقال ابن عباس في تفسيرها: ' أي خائفون ساكنون ' وبه قال طائفة من السلف كمجاهد، والحسن، وقتادة، والزهري، وإبراهيم النخعي .
وجاء عن سعيد بن جبير رحمه الله قال: ' يعني متواضعين، لا يعرف من عن يمينه، ولا من عن شماله، ولا يلتفت من الخشوع لله عز وجل '. هذا معنى من قام لله خاشعًا:
"الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ[2]"
[سورة المؤمنون]
فهو ساكن الجوارح، منكسر القلب لا يرفع بصره، ولا ينظر عن يمينه ولاعن شماله . وقد ذكر شيخ الإسلام في عدد من كتبه هذه المعاني [السابق 7/28-30، 22/ 553-557] وذكر غيرها
كقول الضحاك:'الخشوع هو الرهبة لله عز وجل' أي: هذا الخشوع الذي ذكره الله جل جلاله.
ونقل عن أبي سنان أنه قال في هذه الآية:' الخشوع في القلب، وأن يلين كنفه للمرء المسلم، وألا تلتفت في صلاتك'. ونقل عن قتادة قال:'الخشوع في القلب، والخوف، وغض البصر في الصلاة ] وقد قال شيخ الإسلام رحمه الله في معنى :
"الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ[2]"
[سورة المؤمنون].
يقول:' ومنه خشوع البصر وخفضه وسكونه، يعني أنه مضاد لتقليبه في الجهات، كقوله تعالى:
" فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ[6]خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ[7]مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ[8]"
[سورة القمر]
"خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ"
أي: أنها ساكنة ذليلة، ثم ذكر الآية الأخرى وهي قوله تعالى:
"يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ[43]خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ[44]"
[سورة المعارج]
وفي القراءة الأخرى:
"خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ "
يقول:'وفي هاتين الآيتين وصف أجسادهم بالحركة السريعة، حيث لم يصف بالخشوع إلا أبصارهم، بخلاف آية الصلاة وهي:
"الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ[2]"
[سورة المؤمنون]
. فإنه وصف بالخشوع جملة المصلين –يعنى البصر والبدن – وصفهم بكليتهم أنهم حققوا الخشوع فقال:
"الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ" وقال: "وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ[45]"
[سورة البقرة]
. لم يقل إلا على الخاشعين في أبصارهم بينما في المحشر قال:
"خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ...[7]"
[سورة القمر]
.مع أنهم يسرعون في مشيتهم، ويقول شيخ الإسلام:'ومن ذلك خشوع الأصوات كقولة:
" وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ...[108]"
[سورة طه]
وهو انخفاضها وسكونها' أ. هـ بتصرف .
ومما يدخل في هذا المعنى- وهو الثاني: السكون-
قوله تعالى:
"وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ[238]"
[سورة البقرة]
حيث قال مجاهد:'من القنوت: الركون والخشوع وغض البصر، وخفض الصوت، والرهبة لله ' .