اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا إتباعه

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا إتباعه


الشيخ / أحمد الشبكي

هذا دعاء مأثور عن عمر -رضي الله عنه- و ذكره ابن كثير في تفسيره عند

قوله تعالى:

"كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ"

قال ابن كثير وهذا الدعاء من الأدعية الجامعة النافعة ، ومعناه أن العبد يسأل ربه تبارك وتعالى أن يوفقه لمعرفة الحق والصواب في كل ما حصل فيه الاختلاف بين الناس من مسائل العلم، وفي كل ما يستجد من أمور للعبد في حياته ويسأل الله أن يرزقه اتباع الحق والثبات عليه، كما أنه يسأل ربه أن يوفقه لرؤية الباطل باطلاً وضلالاً ويرزقه اجتنابه كما قيل:  

 عـــرفت الشــرَّ لا *** للشر لكن لتـوقيه                       ومن لم يعرف الشر *** من الناس يقع فيه


وقد أمر الله عباده أن يسألوه الهداية إلى الصراط المستقيم في كل صلاة "

اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ"

 

وكان النبي  إذا قام من الليل يصلي يقول:

"اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل. فاطر السماوات والأرض. عالم الغيب والشهادة. أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون. اهدني لما اختلفت فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم" وفي حديث أبي ذر –رضي الله عنه: "يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم "

أخرجه مسلم (2577).

كمال الإنسان مداره على أصلين: معرفة الحق من الباطل، وإيثار الحق على الباطل، وما تفاوتت منازل الخلق عند الله في الدنيا والآخرة إلا بقدر تفاوت منازلهم في هذين الأمرين"

قف وتأمل مع هذا الدعاء المجمل من الأدعية المأثورة والجميلة التي كثيراً ما نرددها " اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا إتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه " وكم من المعاني العظيمة التي تحملها تلك الكلمات والتي تجبرنا على الوقوف عندها والتأمل فيها



الشطر الأول " اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا إتباعه المعنى الأول( الحق) إن من الأسس والبديهيات التي قامت عليها الحياة أن يكون هناك حق وباطل ، وكلاهما بين واضح جلي ولكل منهما صفات ودلائل ولكل منهما تبعات،والإنسان مخير بين الطريقين أيهما يشاء يتخذه سبيلا ، فالذي أختار سبيل الحق فهو من أهله والذي تركه فهو من أهل الباطل ذلك أنه ليس بينهما سبيل

ذَلِك َبِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوااتَّبَعُوا الْحَقَّ مِن رَّبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ

  
وما اتبع الحق إلا المؤمنين الذين آمنوا أن محمدا عبد الله ونبيه ورسوله حق ، وأن عيسى عبد الله ونبيه ورسوله حق ، وأن الكتب والرسل والملائكة حق وأن الموت حق وأن البعث حق، وأن الجنة حق ، وأن النارحق.

(أرنا الحق حقاً) لا يكفي أن يكون هناك حق لتحصل النجاة ، وإنما تحصل النجاة لو أرانا الله ذلك الحق أنه حقاً ، فكم من الناس والأمم جاءهم الحق من ربهم ولكن ٌطمست قلوبهم وعميت أبصارهم عنه فما رأوه حقاً واعتبروه باطلاً فنكروه بالكلية وحاربوه وعاندوا واستكبروا

( وَلَمَّا جَاءهُمُ الْحَقّ ُقَالُوا هَذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ)

ولك في قصص وسيرالأنبياء جميعاً أكبر الدليل على ذلك ، فما من نبي ٌأرسل من الله إلا عانده قومه وردوه وأنكروا ما جاء به وهو الحق من ربه

( أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَل ْهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْماً مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّنقَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ )

وإنها لدرجة كريمة ومنة عظيمة من الله على عبده لما يريه الحق حقاً ، فحري بالعبد آنذاك أن يحمد ربه ويقول الحمد لله الذي عافنا مما أبتلى به غيرنا وفضلنا على كثير ممن خلق تفضيلا.

( وارزقنا إتباعه)يا لحظ وسعادة من أراه الله الحق حقاً ثم رزقه إتباعه ، ولنا القدوة في صحابة رسول الله فما جاءهم الحق من ربهم إلا آمنوا به وصدقوا النبي واتبعوه ، إتباع المستسلم المسلم لأمر الله ورسوله، لا إتباع العقلانيين!!
فكان إتباعهم في القول والفعل ، وفي الشكل والمضمون، وفي الجوهر والمظهر وفي كل صغير وكبير ولم يكن من النبي شيء صغير ، أما غيرهم مماعرفوا الحق من ربهم ورأوه حقاً ولكن لم يوفقوا لإتباعه فكان إتباعهم للهوى أكبر ومناتبع الهوى هوى

( يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى..........إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ)

وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه " الباطل" إن الله هوالحق، ومن سننه كما سبق وقلنا أنه وفي كل أمر كما يوجد الحق يوجد الباطل فالضد بالضد يعرف،والحق قوي والباطل ضعيف لذا ما دخل الحق على باطلاُ إلا زهقه 

( بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ)

وكما أن للحق أئمة يدعون له فإن للباطل دعاة وأئمة نسأل الله أن يحفظنا من شرورهم

وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنصَرُونَ

 وأرنا الباطل باطلاً كم من باطل زينه الشيطان عند بعض القوم وألبس عليهم فتعاملوا معه وكأنه الحق ويظنون أنهم يرضون ربهم بإتباعه او يفكروا فى الامر كذلك( وارزقنا اجتنابه)
كل نبي أرسل جاء لقومه بالآيات من الله ، وكلما رأوا آية وعلموا أن الله هو الحق وما هم عليه باطلاً ما ازدادوا إلا تمسكاً به ، فمنهم من كانت علته في ذلك إتباع الآباء

بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّاعَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ

ومنهم من خاف على ضياع جاهه وماله وملكه إن ترك ما هو عليه من الباطل فآثر الحياة الدنيا على الآخرة فهلك ، ومنهم من حالت نزعته القِبلية وحمية الجاهلية دون اجتنابه للباطل مع علمه به ومثل ذلك قوم مسيلمة الكذاب ، لما خرج فيهم وادعى النبوة قالوا له إن محمداً يتلو آيات ويقول أنها من وحي ربه فقل لنا مثل ما يقول ، فألف بعض الخزعبلات من الأقوال وادعى أنهامن وحي الله له ، وتعالى الله سبحانه أن يكون ذلك من كلامه ، فما أن سمعه قومه وعرفوا كذبه إلا أن قالوا : والله إنا لنعلم إنك لكذاب ولكن أن يكون لنا نبي نتبعه من قومنا خير لنا من أن نتبع نبي من قريش!! ، ومن الناس وما أكثرهم في زماننا هذا من عرفوا الباطل وأوغلوا فيه لما عظّموا عقولهم ، يأتيهم الدليل من الشرع واضح بين على ما هم فيه من الضلالة فيستكبروا ويعاندوا ويردوه بعد احتكامهم لعقولهم الخاوية وقلوبهم المريضة ولهم في ذلك أسوة في معلمهم الأول إبليس لعنة الله عليه لما أبى الامتثال لأمر ذي الإكرام والجلال حسدا من عند نفسه

قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّتَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍوَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ

إن للكلمة أثرا وينبني عليها سعي الآخرة وطريق الهجرة إلى الله ورسوله وكم من كلمة بنيت عليها اعمال صالحات كأمثال الجبال راسيات وكم من كلمة هدمت ودكت حصونا وأسقطت بنايات للدين كم من كلمة أورثت صاحبها الجنة وكم من كلمة اورثت صاحبها النار وإن ذلك ليعظم خطره وليشتد أثره في أزمان الفتنة وأوقات المحنة فيختلط الحابل بالنابل ويصبح الحليم حيرانا  ماذا يقول وبأي شيء ينصح وقد اختلط الأمر عليه كثيرا.



ومن سمات الفتن والمحن اختلاط الامور فيها وعدم التبين لتفاصيلها ولذلك فإن نبينا بين أن القاعد خير من القائم والقائم خير من الماشي والماشي خير من الساعي فلا يعجل العبد  على ما بين يديه فإن من وراء ذلك يوما موقوف فيه يحاسبه الله على كل كلمة وعلى كل خطوة فلابد وأن يقدم الإنسان قدمه فيما تبين له فاما إن لم يتبين فما ينبغي أن يتقدم او يتأخر فإننا نعمل بشرع الله لا بمحض الآراء ولا الأهواء  والعبد يشفق أن يقف بين يدي الله وقد قدم بينه وبين الله صحائف مسودات بكثير من الذنوب والسيئات هذا بينه وبين الله فكيف يلقى الله بما هو فوق ذلك فيسود تلك الصفحات بإفساد غيره  بإهلاك غيره أو إضلاله بتلك المظالم أو هذا لبغي والطغيان

إننا لابد أن نقدم الدين وضوابط الشرع الذي تعلمناه طويلا إنها امتحانتا وابتلاءات لتستخرج مكنونات تلك الصدور لنشهد على أنفسنا ويشهد الله علينا بأن تديننا مغشوش.




كونوا داعية للخير ولو على جهة السكوت والصمت فلربما كان السكوت أحيانا أفصح جوابا وهذا لا نعني به اختيارا ولا بيانا بقدر ما ننظر به إلى أن العبد لا بد عليه أن ينظر أين يضع قدميه

من سمات تلك المحن ان تختلط الأمور على كثير من الناس فلا يتبينوا الصواب من الخطأ قليل من وهبهم الله في هذه الأيام وأمثالها العلم والعمل والفراسة والرسوخ بحيث ينجيهم الله بما آتاهم وينجي غيرهم يهم  فعليكم بما يقوله العلماء الكبار وأهل الدين  من أكابر ذلك العلم الذين شهد لهم الناس بالعلم فلا يكادون يختلفون عليهم أنظروا أين الجمع وأين ما اتفق عليه سواد أهل العلم ممن اتفق الناس على علمهم ورسوخهم وتفننهم في تلك المحن المردية فلابد وأن نستمسك به فإن اختلفوا فلا تتعجل أين تضع قدميك ودعك ممن قال ما أوقعنا فيما نحن فيه غير الشيوخ فرق بين الشيخ والعالم فرق بين الواعظ والفقيه فليس كل من تصدر صار شيخا وإنما نريد العالم ولما صرنا نختلف ونتحكم لغير العلماء صار هذا حالنا لا نريد من فعل بعض الشيوخ والوعاظ مع حسن الظن بهم أن يكرهونا في العلماء وأن نترك رأيهم ومذهبهم ونستمع لغير أهل الدين فضلا عن غير المسلمين أصلا


إن أي وضع للدستور او للقانون لن يجتمع عليه كل الآراء ولا كل العقول لأنه لابد من فرق بين قانون ووضع الله وقانون ووضع البشر

هناك وصايا في القرآن وصية الله لرسله ولخلقه ووصية الأنبياء لخلفائهم ووصية الصالحين فخذ من وصايا لقرآن ما ينفعك ويفـيدك لكي ترتاح


السابق التالى

مقالات مرتبطة بـ اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا إتباعه

  • أهبط بوادي النجاة!

    عبد الله بن مشبب بن مسفر القحطاني

    ما الأمر الكبير، والكرب الشديد، والهم العظيم الذي يستعصي على رب العزة؟ فالله هو الحق، وقوله الحق، ووعده الحق.

    18/09/2022 468
  • وجوب الاستعداد ليوم القيامة

    الشيخ عمر الأشقر

    اعمل لغدك فإنك لا تدري متى يأتي الأجل، وقدم لنفسك؛ فإن هذا الذي يذهب طعاماً وشراباً يزول، وأما ما قدمته لله فيبقى

    23/10/2013 339
  • وجوب الاستعداد ليوم القيامة

    الشيخ عمر الأشقر

    اعمل لغدك فإنك لا تدري متى يأتي الأجل، وقدم لنفسك؛ فإن هذا الذي يذهب طعاماً وشراباً يزول، وأما ما قدمته لله فيبقى

    18/09/2013 419
معرفة الله | علم وعَملIt's a beautiful day