الولاء والبراء أوثق عرى الإيمان
أيها المسلمون! وحين تغيب هذه الحقائق المهمة في المعتقد يضعف الإحساس بالولاء للمؤمنين، والبراءة من الكافرين، وتندثر في دنيا العلاقة المحبة في الله والبغض في الله، ويغيب التميز في الثقافات، وتنسى أصالة الفكر واختلاف المعتقدات، فهنا يقع الخلل، ويرتع الهمل، وتشيع بين الناس دعوات باطلة، وأفكار مضللة، ظاهرها التسامح والحرية، وباطنها الكفر وفرض التبعية، وتقام المؤتمرات العالمية، وتكثر الملتقيات والحوارات من أجل تقرير وحدة الأديان، ومقارنة الأديان، وإزالة الخلاف العقدي، وإسقاط الفوارق الأساسية بين الأديان، والتشبث بأمور بسيطة، يخدعون بها الدهماء من الناس، ويجعلونها أساساً للوحدة المزعومة، وربما سمعت ببعض المصطلحات الباطلة، كمصطلح الديانة الإبراهيمية، أو الديانة العالمية، وإبراهيم عليه السلام بريء من أي نوع من أنواع الشرك والوثنية، وقد برأه الله من اليهودية والنصرانية المحرفة، وألبسه لبوس الحنيفية المسلمة، قال سبحانه: مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [آل عمران:67]، وجعل أولى الناس به الذين اتبعوه، كما قال سبحانه: إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ [آل عمران:68]. فهذه حاسمة الخلاف، والحق واضح لمن رامه، وكفى بالله شهيداً، وبالقرآن حكماً، أما المخدوعون بالسراب فربما ساغت لهم فكرة زمالة الأديان، وإمكانية التعايش والتعاون بين أصحاب الديانات المختلفة كما يدعوها بعض الناس.
ولا يخفى على أولي الألباب أن هذه الدعوات المحمومة نشأت في أحضان التنصير والصهيونية العالمية لتحطيم الإسلام، وتذويب الشخصية المسلمة؛ لأنهم يرون في الإسلام وأهله أكبر قوة تهددهم. ومن ذلك ما يسمى بالنظام الدولي الجديد، فهو عامل رئيس في إحياء تلك الشجرة الخبيثة، إذ تعقد المجتمعات ويأتمر الملأ لهذا الغرض الخبيث، وينبغي أن يعلم الناس أن هذه الدعوات المشبوهة ليست وليدة اليوم، بل لجلجت في غابر القرون، ودعا إليها قوم آخرون، فهذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى ينقل عن ملاحدة الصوفية كـابن سبعين ، و ابن هود ، و التلمساني وغيرهم أنهم كانوا يسوغون للرجل أن يتمسك باليهودية والنصرانية كما يتمسك بالإسلام، ويجعلون هذه طرقاً إلى الله، بمنزلة مذاهب المسلمين، بل ذكر رحمه الله تعالى أن هؤلاء المخرفين ربما يميلون إلى دين النصارى أكثر من دين المسلمين لما فيه من إباحة المحظورات، كالخمر مثلا، ولأنهم أقرب إلى الاتحاد والحلول، بل ربما استحى الواحد منهم أن ينتسب للإسلام بحضرة هؤلاء الكفار، نعوذ بالله من الخذلان والردة بعد الإسلام. كما أن التتار قديماً نادوا بمساواة الأديان، وقال الأكابر من وزرائهم: إن دين الإسلام كدين اليهود والنصارى، وأن هذه بمنزلة المذاهب الأربعة عند المسلمين، قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى معلقاً على ذلك: ومعلوم بالاضطرار من دين المسلمين وباتفاق جميع المسلمين، أن من سوغ اتباع غير دين الإسلام، أو اتباع شريعة غير شريعة محمد صلى الله عليه وسلم فهو كافر، ككفر من آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض، كما قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا * أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا [النساء:150-151]. نفعني الله وإياكم بهدي القرآن وهدانا لاتباع شريعة محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد.