بداية الانحراف
- فيما بين عام (51- 55)م, عقد أول مجمع يجمع بين الحواريين – مجمع أورشليم – تحت رئاسة يعقوب بن يوسف النجار المقتول رجماً سنة (62)م, ليناقش دعوى استثناء الأمميين، وفيه تقرر- إعمالاً لأعظم المصلحتين- استثناء غير اليهود من الالتزام بشريعة التوراة إن كان ذلك هو الدافع لانخلاعهم من ربقة الوثنية، على أنها خطوة أولى يُلزم بعدها بشريعة التوراة. كما تقرر فيه تحريم الزنا، وأكل المنخنقة، والدم، وما ذُبح للأوثان، بينما أبيحت فيه الخمر ولحم الخنزير والربا، مع أنها محرمة في التوراة.
- عاد بولس بصحبة برنابا إلى أنطاكية مرة أخرى، وبعد صحبة غير قصيرة انفصلا، وحدث بينهما مشادة عظيمة؛ نتيجة لإعلان بولس نسخ أحكام التوراة، وقوله أنها: "كانت لعنة تخلَّصنا منها إلى الأبد" و"أن المسيح جاء ليبدل عهداً قديماً بعهد جديد". ولاستعارته من فلاسفة اليونان فكرة اتصال الإله بالأرض عن طريق الكلمة، أو ابن الإله، أو الروح القدس، وترتيبه على ذلك القول بعقيدة الصلب والفداء، وقيامة المسيح وصعوده إلى السماء؛ ليجلس على يمين الرب؛ ليحاسب الناس في يوم الحشر. وهكذا كرَّر بولس نفس الأمر مع بطرس الذي هاجمه وانفصل عنه، مما أثار الناس ضده، لذا كتب بولس رسالة إلى أهل غلاطية ضمَّنها عقيدته ومبادئه، ومن ثم واصل جولاته بصحبة تلاميذه إلى أوروبا وآسيا الصغرى؛ ليلقى حتفه أخيراً في روما في عهد نيرون سنة (65)م.
- قد استمرت المقاومة الشديدة لأفكار بولس عبر القرون الثلاثة الأولى: ففي القرن الثاني الميلادي تصدَّى هيولتس، وإيبيي فايتس، وأوريجين لها، وأنكروا أن بولس كان رسولاً، وظهر بولس الشمشاطي في القرن الثالث، وتبعه فرقته البوليسية إلا أنها كانت محدودة التأثير. وهكذا بدأ الانفصال عن شريعة التوراة، وبذرت بذور التثليث والوثنية في النصرانية، أما باقي الحواريين والرسل فإنهم قُتلوا على يد الوثنيين في البلدان التي ذهبوا إليها للتبشير فيها.