تابع : مبنى الدين على قاعدتين: الذكر والشكر
وأما الأصل الثاني: وهو اقتضاء الفجور والكبر والكذب للضلال فكثير أيضا للقرآن كقوله تعالى:{ يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} البقرة 26-27, وقال تعالى:{ُيثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ } إبراهيم 27, وقال تعالى:{ فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا } النساء88, وقال تعالى: { وقالوا قلوبنا غلف بل لعنهم الله بكفرهم فقليلا ما يؤمنون} البقرة88, وقال تعالى:{ وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ } الأنعام110.
فأخبر أنه عاقبهم على تخلفهم عن الإيمان لما جاءهم وعرفوه وأعرضوا عنه بأن قلب أفئدتهم وأبصارهم وحال بينهم وبين الإيمان, كما قال تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ } الأنفال 24, فأمرهم بالاستجابة له ولرسوله حين يدعوهم إلى ما فيه حياتهم, ثم حذّرهم من التخلف والتأخر عن الاستجابة الذي يكون سببا لأن يحول بينهم وبين قلوبهم. قال تعالى:{ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ } الصف5, وقال تعالى:{ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ }المطففين 8, فأخبر سبحانه أن كسبهم غطى على قلوبهم وحال بينها وبين الإيمان بآياته, فقالوا:{ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ }. وقال تعالى في المنافقين:{ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ } التوبة 67, فجازاهم على نسيانهم له أن نسيهم فلم يذكرهم بالهدى والرحمة, وأخبر أنه أنساهم أنفسهم فلم يطلبوا كمالها بالعلم النافع والعمل الصالح وهما الهدى ودين الحق, فأنساهم طلب ذلك ومحبته ومعرفته والحرص عليه عقوبة لنسيانهم له, وقال تعالى في حقّهم:{ أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ } محمد16\17, فجمع لهم بين اتّباع الهوى والضلال الذي هو ثمرته وموجبه كما جمع للمهتدين بين التقوى والهدى.