حقا إنهم مؤمنون
المؤمنون تتفاوت درجاتهم ، ومنازلهم في الآخرة على حسب ما معهم من الإيمان والعمل الصالح .. ولقد ذكر الله لنا في كتابه الكريم بعض صفات ( المؤمنين حقا ) .. وهناك مؤمنون فقط .. ولما يبلغوا حقيقة الإيمان بعد .
· قال الحسن البصري رحمه الله : « كان يقال : إن الإيمان ليس بالتحلي ولا بالتمني وإنما الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل » .
· وقال الحسن البصري رحمه الله : « الإيمان إيمان من خشي الله عز وجل بالغيب ورغب فيما رغب الله فيه وترك ما يسخط الله ثم تلا الحسن رحمه الله { كذلك إنما يخشى الله من عباده العلماء} » .
قال الله تعالى :{ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ}
- الصفة الأولى : قال تعالى: { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ}
- قال ابن عباس رضي الله عنه : المنافقون لا يدخل قلوبهم شيء من ذكر الله عند أداء فرائضه، ولا يؤمنون بشيء من آيات الله، ولا يتوكلون، ولا يصلون إذا غابوا، ولا يؤدون زكاة أموالهم، فأخبر الله تعالى أنهم ليسوا بمؤمنين .
- وهذه صفة المؤمن الحق ، الذي إذا ذكر الله وجل قلبه، أي: خاف منه، ففعل أوامره، وترك زواجره ، كقوله تعالى{ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى}
- قال السدي رحمه الله : هو الرجل يريد أن يظلم أو قال: يهم بمعصية-فيقال له: اتق الله فَيجل قلبه.
- الصفة الثانية : وقوله: { وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا}
- ووجه ذلك أنهم يلقون له السمع ويحضرون قلوبهم لتدبره فعند ذلك يزيد إيمانهم،.لأن التدبر من أعمال القلوب، ولأنه لا بد أن يبين لهم معنى كانوا يجهلونه، أو يتذكرون ما كانوا نسوه،أو يحدث في قلوبهم رغبة في الخير، واشتياقا إلى كرامة ربهم،أو وجلا من العقوبات، وازدجارا عن المعاصي، وكل هذا مما يزداد به الإيمان.
- الصفة الثالثة : { وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}أي: لا يرجون سواه، ولا يقصدون إلا إياه، ولا يلوذون إلا بجنابه، ولا يطلبون الحوائج إلا منه، ولا يرغبون إلا إليه، ويعلمون أنه ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن . وأنه المتصرف في الملك، وحده لا شريك له، ولا معقب لحكمه، وهو سريع الحساب؛ ولهذا قال سعيد بن جبير: التوكل على الله جماع الإيمان .
· قال الشيخ السعدي رحمه الله :
- أي: يعتمدون في قلوبهم على ربهم في جلب مصالحهم ودفع مضارهم الدينية والدنيوية، ويثقون بأن اللّه تعالى سيفعل ذلك.
- والتوكل هو الحامل للأعمال كلها، فلا توجد ولا تكمل إلا به.
- الصفة الرابعة : وقوله { الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ} :
- ينبه بذلك على أعمالهم، بعد ما ذكر اعتقادهم، وهذه الأعمال تشمل أنواع الخير كلها، وهو إقامة الصلاة، وهو حق الله تعالى.
- وقال قتادة رحمه الله : إقامة الصلاة: المحافظة على مواقيتها ووضوئها، وركوعها، وسجودها.
- الصفة الخامسة : { وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} :والإنفاق مما رزقهم الله يشمل اخراج الزكاة، وسائر الحقوق للعباد من واجب ومستحب، فأحبهم إلى الله أنفعهم لخلقه.
- وقوله { أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا} :
· لماذا كانوا هم المؤمنين حقاً ؟ قال الشيخ السعدي رحمه الله :
1- لأنهم جمعوا بين الإسلام والإيمان .
2- و بين الأعمال الباطنة والأعمال الظاهرة .
3- وبين العلم والعمل .
4- وبين أداء حقوق اللّه وحقوق عباده .
· وقدم تعالى أعمال القلوب ، لأنها أصل لأعمال الجوارح وأفضل منها ، وفيها دليل على أن الإيمان ، يزيد وينقص، فيزيد بفعل الطاعة وينقص بضدها.
· هل تتعاهد إيمانك ... ؟
- وأنه ينبغي للعبد أن يتعاهد إيمانه وينميه ، وأن أولى ما يحصل به ذلك تدبر كتاب اللّه تعالى والتأمل لمعانيه.
- ثم ذكر ثواب المؤمنين حقا فقال: { لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ} أي: عالية بحسب علو أعمالهم .
- { وَمَغْفِرَةٌ} لذنوبهم .
- { وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} وهو ما أعد اللّه لهم في دار كرامته، مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ إن أهل علِّيين ليراهم من أسفل منهم كما ترون الكوكب الغابر في أفق من آفاق السماء ، قالوا : يا رسول الله، تلك منازل الأنبياء، لا ينالها غيرهم؟ فقال: بلى، والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين ] متفق عليه اهـ بتصرف ( ابن كثير ، السعدي )
- قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه : « إياكم والكذب ؛ فإن الكذب مجانب الإيمان » .
· بياض قلب المؤمن : قال علي بن أبي طالب : « الإيمان يبدو نقطة بيضاء في القلب ، كلما ازداد الإيمان ازداد ذلك البياض ، فإذا استكمل الإيمان ابيض القلب كله ، وإن النفاق ليبدو نقطة سوداء في القلب ، كلما ازداد النفاق ازداد السواد ، فإذا استكمل النفاق اسود القلب كله ، وأيم الله ، لو شققتم عن قلب مؤمن لوجدتموه أبيض ، ولو شققتم عن قلب منافق لوجدتموه أسود » .
علامة إقبال الله أو إعراضه عن العبد :قيل لذي النون المصري رحمه الله : ما علامة إقبال الله عز وجل على العبد ؟ قال : إذا رأيته صابرا ، شاكرا ، ذاكرا ، فذلك علامة إقبال الله عليه . فقيل له : فما علامة