خطوات التحريف الرئيسية
خطوات التحريف الرئيسية :
لا نتناول خطوات التحريف الرئيسية باقتضاب إلا لإرتباطها الشديد بأزمة الحداثة والأصولية ، لنوضح كيف أن المسيحية الحالية منذ بداية مشوارها وحتى اليوم قائمة على التحريف المتعمّد وعلى أخطاء جوهرية فى فى الترجمة من مختلف النصوص وفى عمليات التلفيق التى نجم عنها عشرات الاف من المتناقضات .. ويشير أندريه پول فى بحثه الجماعى المكون من ستة أجزاء ، بعنوان "العلوم الإنجيلية" ، كيف تبدلت المسيحية عبر التاريخ ، فقد قام بولس فى بلدة كورنثيا ، عام 51 م ، بتقديم يسوع على أنه المسيح، الممسوح، الذى أعلن عنه الأنبياء فى العهد القديم خاصة فى سفر إسحاق ، الأمر الذى يكشف عن أن يسوع ليس الشخص الذى كانت تعنيه النبؤات القديمة . ثم يوضح كيف أدخل بولس عبارة "يسوع الرب" فى رسائله ، وهى البدعة التى أقرها مجمع نيقية الأول عام 325 م . وظل الكتاب المقدس بكل اسفاره حتى أواخر القرن الثانى عبارة عن مجموعات من النصوص المنفصلة، ولم يتم تقسيمهم إلى الجزئين إلا فى مطلع القرن الثالث. واطلقوا عليه باللغات الأجنبية عبارة "Testament" على الجزئين على أنها ترجمة لعبارة "Diathéké" ، وللفصل تماما بين المسيحية واليهودية . والغريب أن كلمة "دياتيكيه" هذه تعنى "العهد" ، ولم يكن فى تاريخ أصول المسيحية سوى عهد واحد هو "عهد الختان" الذى تم أيام سيدنا إبراهيم وإبنه إسماعيل ، "وأراده الله أن يكون عهدا أبديا" كما تقول نصوصهم. و كلمة "Testament" تعنى "وصية" وليس "عهدا "، وإن كانت المخالفة لا تبدو فى اللغة العربية .
والتحريف التالى جاء بإلصاق كلمة أو صفة "Kanon" أى "شرائع سماوية" أو "قانون إيمان" على هذه النصوص وتم تثبيتها فى مجمع لاوديسية عام 360 م. ومن أشهر الكلمات التى أدت إلى ترجمتها الخاطئة إلى إستحداث عقائد، كلمة "Fosse" أى "حفرة" أو "لحد" وهى فى المزمور 16 وتمت ترجمتها "Corruption"، أى "فساد" لكى تتم قرائة الإصحاح 13 من أعمال الرسل على أنه إشارة إلى نبوءة بعث يسوع ؛ أو ترجمة كلمة "إمرأة شابة" فى يوشع 7 : 14 إلى "عذراء" وبنوا عليها عقيدة الميلاد العذرى ليسوع ! الأمر الذى أدى بالقاضى الباحث جوزيف هويلس (J. Wheless) أن يقول فى كتابه الشهير "هل هذا كلام الله ؟” ، فى صفحة 256 : أنها "درس طبخ فى النبؤات " ..
ثم قام القديس جيروم بناء على أمر من البابا داماز بالتوفيق بين أكثر من خمسين إنجيلا ليخرج بالأربعة المعروفة حاليا بعد أن قام بالتغيير والتبديل والتعديل فى النصوص ، كما يوضح ذلك فى المقدمة التى كتبها لهذه الترجمة التصويبية التى قام بها.. وفى القرن الثالث عشر ، ورغم كل الإحتجاجات من العديد من الكنسيين والعلماء ، أطلقوا عليها إسم "فولحات" (Vulgate)، أى نشر عام أصلى ، وجعلوها النص الرسمى الأصلى للكتاب المقدس ! ورغم تعالى الإحتجاجات من العلماء قام مجمع ترانت بفرضها عام 1546 على أنها النص المنزّل من عند الله . أى أن ذلك الكتاب المحرّف رسميا وبإعتراف مَن قام بصياغته هو ما تعتبره الكنيسة نصاً منزلا حتى يومنا هذا رغم كل ما كتبه العلماء لفضح ما به من تلاعب متعدد الأشكال ..
وأهم ما نجم عن مختلف التيارات المتتالية لأزمة الحداثة هو إثارة قضيتين أساسيتين لا رجعة فيهما : المساس بمصداقية النص الإنجيلى ومحتواه المعرفى أو العلمى؛ والمساس بمصداقية ذلك النص وصياغاته المختلفة عبر الزمان. وهو ما يعنى نقده شكلا وموضوعا !
ومما زاد الأمر تعقيدا وفداحة إكتشاف مخطوطات قمران بالبحر الميت عام 1947 ، وأهم ما نجم عنها إكتشاف أو إثبات أن يسوع كان نبيا من الأنبياء وليس بإله ، وهو ما كان القرآن الكريم قد كشف عنه .. وفى عام 1949 ، أى بعد ذلك بعامين تم إكتشاف نصاً كاملا للنص القديم للترجمة الآرامية الفلسطينية للعهد القديم، وهو ما أطاح بنص "الفولجات" التى تم طبخها فى القرن الرابع و زعموها أنها منزّلة من عند الله ! وقد تدخل اليهود طرفا فى هذه الأبحاث باستيلائهم على أغلبية مخطوطات قمران بعد أن كان الفاتيكان هو المستحوذ الوحيد عليها. وهنا يقول الباحث أندريه پول : "لم تعد هناك ضرورة حتى لكى يُعلن علم التفسسير القديم عن إفلاسة " .. أى أن إفتضاح الأكاذيب بات من الوضوح بحيث لم يعد الأمر بحاجة إلى أن يتم الإعلان عنه !..
ومثلما تضافرت جهود الكنيسة لمحاصرة أعمال علماء الحداثة تضافرت جهودها بصورة أكثر عنفا لمنع نشر أية معلومات عن مخطوطات قمران. فما زالت السلطات الفاتيكانية تحارب نشر الحقائق الجديدة فى محاولة مستميتة لمحاصرتها وإن أمكن الزج بها فى طى النسيان ..