خلق أفعال العباد
وجْه كون الله تعالى خالقًا لأعمال العباد:
دلَّت النُّصوص من الكتاب والسُّنَّة وكلام السَّلَفِ الصالح من الأمَّة على أنَّ الله تعالى خالقُ العباد، وخالقُ أعمالهم، فإنَّه الخالق وحدَه لا خالق غيره ولا ربَّ سواه، وهذا اعتقادُ أهل السُّنَّة والجماعة.
قال تعالى: ﴿ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [الصافات: 96]؛ أي: إنَّ الله تعالى خلقكم فأحسَن خلقكم وكمَّله، ومن ذلك أنَّه ركَّب فيكم العُقول وهَداكم بالشرع، وأنَّه جعلكم مريدين للأعمال؛ أي: مختارين قادرين على ما شِئتُم منها، فخلَق فيكم الإرادات والقُدَر التي تقَع بها أعمالكم، وجعلكم مختارين: ﴿ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾ [هود: 7].
وبهذا كان سبحانه خالقًا لأعمال العباد؛ أي: إنَّه خلق الأسباب التي تقَع بواسطتها الأعمال، وهي الإرادات والقُدَر، فإنَّ كلَّ عملٍ من فعل أو ترك لا بُدَّ لتحقّقه من إرادةٍ يتمُّ بها اختيارُه وقصدُ مُباشَرته، وقدرة يتحقَّق بها فعلُه، وهذا محلُّ الثواب والعِقاب، فإنما يُثابُ المرء على إرادته الخيرَ، وفعلِه ما استَطاعَ منه، ويُعاقَب على قصده الشرَّ ومباشرته له، وذلك كسبه وعمله الذي يجزي عليه؛ ولهذا شرَع لهم الدِّين المتضمِّن:
1- أنَّ الله خلَق المكلَّفين فأحسَنَ خَلْقَهم وكمَّله بما أودَعَ فيهم من الإرادات والقُدَرِ التي يُباشِرون بها أعمالهم ليبلُوَهم أيُّهم أحسن عملًا.
2- دلالتهم على الطاعات وترغيبهم فيها بذِكر ثَوابها العاجل والآجل؛ ليقصدوها ويعملوها مخلصين محسنين.
3- تنبيههم على السيِّئات وأنواع المخالَفات، وتحذيرُهم منها، وزجرُهم عنها بذِكر العِقاب عليها في الدُّنيا والآخِرة؛ ليعرفوا شُؤمها فيجتنبوها متَّقين الله تعالى فيها.
4- وما سكتَ الله عنه فهو من المُباحات التي لا يترتَّب على مُباشَرتها ثوابٌ، إلا إذا اقترنَتْ بالنيَّة الصالحة، ولا يُعاقب عليها إلا بنيَّة السوء.