ظاهرة الانفصام بين النظرية والتطبيق العملي
إن من مصائبنا نحن المسلمين -وما أكثر مصائب المسلمين اليوم- هي ذلك الانفصام بين النظرية والتطبيق العملي في باب العقيدة، هذا الانفصام تجده مشاهداً على مستويات متفاوتة بين كثير من المسلمين، وهذا مما يؤُسف له؛ حيث تجد النظرية أحياناً جميلة، ممتازة، رقيقة، محبوبة .
إلى آخره، لكنك تلتفت إلى الواقع العملي فتجد الأمر مختلفاً.
وهذه تعتبر من المصائب الكبرى التي إذا أصيبت بها الأمم والشعوب تحولت عقيدتها وإيمانها ودينها إلى نظريات فقط، وانقلبت حياتها العملية إلى حياة أخرى بعيدة جداً عن ذلك التطبيق العملي، ولهذا فإن الله سبحانه وتعالى وهو يعلم تلك العصبة المؤمنة التي نزل عليها القرآن أول مرة، ناداها تبارك وتعالى بذلك النداء الذي يحمل معاني ومعاني، فقال الله تبارك وتعالى للمؤمنين: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ [الصف:2-3].
وإذا كان هذا في باب القول فهو في باب الإيمان والاعتقاد من باب أولى، فإذا كنت تقول في نفسك: إنني أحب الله، وأخلص هذه المحبة لله، فلماذا عند التطبيق العملي تقدم محبة غير الله على محبة الله، وتقدم الهوى والنفس والشيطان والكسل، وتقدم أموراً تافهةً من أمور الدنيا فتحبها وتقدسها، وينشغل لها بالك ليل نهار، ولربما أخرت أو تركت طاعة لله سبحانه وتعالى من أجل ذلك الهوى وذاك الشيطان، وأنت تزعم وتقول: أنا عقيدتي صافية؛ وأنا أخلص المحبة لله سبحانه وتعالى؟! فلماذا اختلف الأمران؟! ولماذا اختلف اعتقادك النظري عن تطبيقك العملي؟! ولماذا تجاوزت التطبيق العملي في هذه المسألة؟! وهي مسألة واحدة من مسائل كثيرة من أمور الاعتقاد.
وهكذا يقول الإنسان: إنني أخاف الله، وأفرده بالخوف؛ لأنه وحده هو الذي بيده الأمر كله؛ بيده الحياة والموت، وبيده الرزق، وبيده سبحانه وتعالى كل شيء، فلا أخاف إلا الله؛ لأن البشر لا يملكون من الأمر شيئاً، ثم تأتي إلى هذا الإنسان في واقعه العملي فتجده يخاف من غير الله، فيخاف من سلطان، أو يخاف من جن، أو يخاف من ساحر، أو يخاف من عدو في أمر لا يقدر عليه إلا الله سبحانه وتعالى، فنأتي ونقول له: لماذا انفصل الأمران عندك؟ فإذا كنت معتقداً تلك العقيدة على وجه صافٍ صحيح مؤصل، فلماذا تخاف من غير الله تبارك وتعالى فيما لا يقدر عليه إلا الله تبارك وتعالى؟! وهكذا أيها الإخوة! إذا جئت إلى أي جانب من جوانب العقيدة فستجد أن مصيبة الأمة الإسلامية هي: أنها انفصلت عندها النظريات عن التطبيق العملي، أو بالأصح انفصل التطبيق العملي عن تلك النظريات التي يؤمنون بها ويصدقونها.