فصل في أسمائه تعالى الحليم، الحي، الستير، الصبور، العفو
ومن أسمائه (الحليم، الحي، الستير، الصبور، العفو)، وكل هذه الأسماء تتعلق بجرائم العباد وذنوبهم، فإنه تعالى الجواد المطلق من جميع الوجوه والاعتبارات، فكما أنه الجواد بإعطاء الخيرات ونيل المواهب والهبات والبركات فإنه الجواد بالحلم عن العاصين. والستر على المخالفين، والصبر على المحاربين له ولرسله المبارزين، والعفو عن الذنوب. فالعباد يبارزونه بالعظائم وبما يغضبه، وهو تعالى يسدي إليهم النعم ويصرف عنهم النقم كأنهم لم يعصوه، ويعافيهم ويرزقهم كأنهم لم يزالوا يشكرونه، وكذلك لا يزالون مقيمين على ما يوجب أخذهم بالعقوبات المتنوعة، وهو يمهلهم ليتوبوا، ويذكرهم لينيبوا، والعبد يجاهره بالمخالفات والرب يستحي من فضيحته ويسدل عليه ستره القدري وستره الشرعي
"وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ"
سورة فاطر آية 45
هذا مع كمال غناه عنهم، وكمال قدرته عليهم، ونهاية حاجتهم وفقرهم إليه، واضطرارهم إليه في كل لحظة ونفس. وفي الحديث الصحيح
"لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله يجعلون له الولد وهو يعافيهم ويرزقهم"
وفي الصحيحين مرفوعاً
"قال الله تعالى كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك. وشتمني ابن آدم ولم يكن له ذلك. أما تكذيبه إياي فقوله إن لي ولداً وأنا الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد. وأما شتمه إياي فقوله لن يعيدني كما بدأني، وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته"
هذا وهو تعالى يسمع ما يقولون ويعلم ما تكن صدورهم وما به يتفوهون، وهو يلاطفهم بنعمه، ويتحبب إليهم بكرمه، فيا ويح المعرضين عنه ماذا حرموا من الخيرات، ويا سعادة المنقطعين إليه ماذا ادخر لهم من الألطاف والكرامات، ويا بؤس العاصين ما أقل حياءهم وأعظم شقائهم وأشد جرأتهم.