فصل في اسمائه تعالى : المقدم، والمؤخر، المعطي، المانع، الضار، النافع، الخافض، الرافع
ومن أسمائه الحسنى (المقدم، والمؤخر، المعطي، المانع، الضار، النافع، الخافض، الرافع) من أسمائه الحسنى ما يؤتى به مفرداً ويؤتى به مقروناً مع غيره وهو أكثر الأسماء الحسنى، فيدل ذلك على أن لله كمالاً من إفراد كل من الاسمين فأكثر، وكمالاً من اجتماعهما أو اجتماعها. ومن أسمائه ما لا يؤتى به إلا مع مقابلة الاسم الآخر لأن الكمال الحقيقي تمامه لا يؤتى به إلا مع مقابلة الاسم الآخر لأن الكمال الحقيقي تمامه وكماله من اجتماعهما، وذلك مثل هذه الأسماء، وهي متعلقة بأفعاله الصادرة عن إرادته النافذة وقدرته الكاملة وحكمته الشاملة، فهو تعالى المقدم في الزمان والمكان والأوصاف الحسية، والمقدم في الفضائل والأوصاف المعنوية، والمؤخر لمن شاء في ذلك، المعطي من شاء من القوة والقوى الحسية والعقل والمعارف والكمالات المتنوعة، المانع لمن يشاء ممن لا يستحق ذلك، وهو تعالى النافع لمن شاء من عباده بالمنافع الدينية والدنيوية، الضار لمن فعل الأسباب التي توجب ذلك، وكل هذا تبع لحكمته وسننه الكونية وللأسباب التي جعلها موصلة إلى مسبباتها، فإن الله تعالى جعل مقاصد للخلق وأموراً محبوبة في الدين والدنيا، وجعل لها أسباباً وطرقاً، وأمر بسلوكها ويسرها لعباده غاية التيسير، فمن سلكها أوصلته إلى المقصود النافع، ومن تركها أو ترك بعضها أو فوت كمالها أو أتاها على وجه ناقص ففاته الكمال المطلوب فلا يلومن إلا نفسه، وليس له حجة على الله، فإن الله أعطاه السمع والبصر والفؤاد والقوة والقدرة وهداه النجدين وبين له الأسباب والمسببات ولم يمنعه طريقاً يوصل إلى خير ديني ولا دنيوي، فتخلفه عن هذه الأمور يوجب أن يكون هو الملوم عليها المذموم على تركها.
واعلم أن صفات الأفعال التي منها هذه الأسماء كلها متعلقة وصادرة عن هذه الصفات الثلاث: القدرة الكاملة، والمشيئة النافذة، والحكمة الشاملة التامة وهي كلها قائمة بالله، والله متصف بها، وآثارها ومقتضياتها جميع ما يصدر عنها في الكون كله من التقديم والتأخير والنفع والضر والعطاء والحرمان والخفض والرفع، لا فرق بين محسوسها ومعقولها، ولا بين دينيها ودنيويها. فهذا معنى كونها أوصاف أفعال لا كما ظنه أهل الكلام الباطل أن الفعل هو عين المفعول، وأنه لم يقم بالله منها وصف، فهذا مخالف للعقل والنقل، وقول متناقض في نفسه، فإن الآثار تدل على المؤثر كما أن الوصف يدل على الأثر، فهما شيئان متلازمان لا ينفك أحدهما عن الآخر، دل الكتاب والسنة والعقل على ذلك، فمن فرق بينهما فأثبت المفعول ونفى الفعل فقوله غير معقول ولا منقول.
واعلم أن الأفعال الاختيارية للباري نوعان: نوع متعلق بذاته المقدسة كالاستواء على العرش والنزول كل ليلة إلى سماء الدنيا والمجيء والإتيان ونحوها، ونوع متعلق بالمخلوقات كالخلق والرزق والعطاء والمنع وأنواع التدابير الكونية والشرعية والله أعلم.