مئة خُـلق في الطريق إلى الله _ الأصل الذي شرحه ابن القيم في المدارج
(المقدمة)
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الواحد الأحد القيوم الصمد اللطيف القريب الذي أمطر سرائر العارفين كرائم الكلم من غمائم الحكم وألاح لهم لوائح القدم في صفائح العدم ودلهم على أقرب السبل إلى المنهاج الأول وردهم من تفرق العلل إلى عين الأزل وبث فيهم ذخائره وأودعهم سرائره وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الأول الآخر الظاهر الباطن الذي مد ظل التلوين على الخليفة مدا طويلا ثم جعل شمس التمكين لصفوته عليه دليلا ثم قبض ظل التفرقة عنهم إليه قبضا يسيرا وصلاته وسلامه على صفيه الذي أقسم به في إقامة حقه محمد وآله كثيرا وبعد فإن جماعة من الراغبين في الوقوف على إلى الحق عز اسمه من الفقراء من أهل هراة والغرباء طال علي مسألتهم إياي زمانا أن أبين لهم في معرفتها بيانا يكون على معالمها عنوانا فأجبتهم بذلك بعد استخارتي الله واستعانتي به وسألوني أن أرتبها لهم ترتيبا يشير إلى تواليها ويدل على الفروع التي تليها وأن أخليه من كلام غيري وأختصره ليكون ألطف في اللفظ وأخف للحفظ وإني خفت أني إن أخذت في شرح قول أبي بكر الكتاني إن بين العبد والحق ألف مقام من نور وظلمة طولت علي وعليهم فذكرت أبنية تلك المقامات التي تشير إلى تمامها وتدل على مرامها وأرجو لهم بعد صدق قصدهم ما قال أبو عبيد البسري إن لله عبادا يريهم في بداياتهم ما في نهاياتهم ثم إني رتبته لهم فصولا وأبوابا يغني ذلك الترتيب عن التطويل المؤدي إلى الملال ويكون مندوحة عن التسآل فجعلته مائة مقام مقسومة على عشرة أقسام وقد قال الجنيد قد ينقل العبد من حال إلى حال أرفع منها وقد بقي عليه من التي نقل عنها بقية فيشرف عليها من الحالة الثانية فيصلحها وعندي أن العبد لا يصح له مقام حتى يرتفع عنه ثم يشرف عليه فيصححه واعلم أن السائرين في هذه المقامات على اختلاف مفظع لا يجمعهم ترتيب قاطع ولا يقفهم منتهى جامع وقد صنف جماعة من المتقدمين والمتأخرين في هذا الباب تصانيف عساك لا تراها أو أكثرها على حسنها مغنية كافية منهم من أشار إلى الأصول ولم يف بالتفصيل ومنهم من جمع الحكايات ولم يلخصها تلخيصا ولم يخصص النكتة تخصيصا
ومنهم من لم يميز بين مقامات الخاصة وضرورات العامة ومنهم من عد شطح المغلوب مقاما وجعل بوح الواجد ورمز المتمكن شيئا عاما وأكثرهم لم ينطق عن الدرجات واعلم أن العامة من علماء هذه الطائفة والمشيرين إلى هذه الطريقة اتفقوا على أن النهايات لا تصح إلا بتصحيح البدايات كما أن الأبنية لا تقوم إلا على الأساس وتصحيح البدايات هو إقامة الأمر على مشاهدة الإخلاص ومتابعة السنة وتعظيم النهي على مشاهدة الخوف ورعاية الحرمة والشفقة على العالم ببذل النصيحة وكف المؤنة ومجانبة كل صاحب يفسد الوقت وكل سبب يفتن القلب على أن الناس في هذا الشأن ثلاثة نفر رجل يعمل بين الخوف والرجاء شاخصا إلى الحب مع صحبة الحياء فهذا هو الذي يسمى المراد (لعلها المريد) ورجل مختطف من وادي التفرق إالى وادي الجمع وهو الذي يقال له المراد ومن سواهما مدع مفتون مخدوع وجميع هذه المقامات تجمعها رتب ثلاث
الرتبة الأولى أخذ القاصد في السير
الرتبة الثانية دخوله في الغربة
الرتبة الثالثة حصوله على المشاهدة الجاذبة إلى عين التوحيد في طريق الفناء
وقد اخبرنا في معنى الرتبة الأولى (القاصد في السير) الحسين بن محمد بن علي الفرائضي قال أخبرنا أحمد بن محمد بن حسنوية قال أخبرنا الحسين بن إدريس الأنصاري قال حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال حدثنا محمد بن بشر هو العبدي قال حدثنا عمر بن راشد عن يحيى بن ابي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سيروا سبق المفر دون قالوا يا رسول الله وما المفر دون قال المهتزون الذين يهتزون في ذكر الله عز وجل يضع الذكر عنهم أثقالهم فيأتون يوم القيامة خفافا وهذا حديث حسن لم يروه عن يحيى بن أبي كثير إلا عمر بن راشد اليماني وخالف محمد بن يوسف الفريابي فيه محمد بن بشير العبدي فرواه عن عمر بن راشد عن يحيى عن أبي سلمة عن أبي الدرداء مرفوعا والحديث إنما هو لأبي هريرة رواه بندار بن بشار عن صفوان بن عيسى عن بشير بن رافع اليماني إمام أهل نجران ومفتيهم عن ابي عبد الله بن عم أبي هريرة عن أبي هريرة مرفوعا وأحسنها طريقا وأجودها سندا حديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو مخرج في صحيح مسلم وروى هذا الحديث أهل الشام عن أبي أمامة مرفوعا قال في كلها سبق المفر دون
وأخبرنا في معنى (الرتبة الثانية) الدخول في الغربة حمزة بن محمد بن عبد الله الحسيني قال حدثنا أبو القاسم عبدالواحد بن احمد الهاشمي الصوفي قال سمعت أبا عبد الله علان بن زيد الدينوري الصوفي بالبصرة قال سمعت جعفر الخلدي الصوفي يقول سمعت الجنيد قال سمعت السري عن معروف الكرخي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن علي رضي الله عنه عن رسول الله ص صلى الله عليه وسلم قال طلب الحق غربة وهذا حديث غريب ما كتبته إلا من رواية علان
وأخبرنا في معنى (الرتبة الثالثة) الحصول على المشاهدة محمد بن علي بن الحسين الباشاني رحمه الله قال حدثنا محمد بن اسحاق القرشي قال حدثنا عثمان بن سعيد الدارامي قال حدثنا سليمان بن حرب عن حماد بن زيد عن مطر الوراق عن أبي بريدة عن يحيى بن يعمر عن عبدالله بن عمر بن الخطاب في حديث سؤال جبرائيل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما الإحسان قال أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك وهذا حديث صحيح غريب أخرجه مسلم في الصحاح وهذا الحديث إشارة جامعة لمذهب هذه الطائفة وإني مفصل لك درجات كل مقام منها لتعرف درجة العامة منه ثم درجة السالك ثم درجة المحقق ولكل منهم شرعة ومنهاج ووجهة هو مولاها قد نصب له علم هو له مبعوث واتيح له غاية هو إليها محثوث وإني أسأل الله أن يجعلني في قصدي مصحوبا لا محجوبا وأن يجعل لي سلطانا مبينا إنه سميع قريب واعلم أن الأقسام العشرة التي ذكرتها في صدر هذا الكتاب هي قسم البدايات ثم قسم الأخلاق ثم قسم الأحوال ثم قسم الأبواب ثم قسم الأصول ثم قسم الولايات ثم قسم النهايات ثم قسم المعاملات ثم قسم الأودية ثم قسم الحقائق
قسم البدايات فأما قسم البدايات فهو عشرة أبواب وهي 1. اليقظة 2. والتوبة 3. والمحاسبة 4. والإنابة 5. والتفكر 6. والتذكر 7. والاعتصام 8. والفرار 9. والرياضة 10. والسماع
[1]باب اليقظة قال الله عز وجل قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله القومة لله هي اليقظة من سنة الغفلة والنهوض من ورطة الفترة وهي أول ما يستنير قلب العبد بالحياة لرؤية نور التنبيه واليقظة هي ثلاثة أشياء
الأول لحظ القلب إلى النعمة على الإياس من عدها والوقوف على حدها والتفرع إلى معرفة المنة بها والعلم بالتقصير في حقها والثاني مطالعة الجناية والوقوف على الخطر فيها والتشمر لتداركها والتخلص من ربقها وطلب النخاة بتمحيصها والثالث الانتباه لمعرفة الزيادة والنقصان في الأيام والتنصل عن تضييعها والنظر إلى الضن بها ليتدارك فائتها ويعمر باقيها فأما معرفة النعمة فإنها تصفو بثلاثة أشياء بنور العقل وشيم برق المنة والاعتبار بأهل البلاء وأما مطالعة الجناية فإنها تصح بثلاثة أشياء بتعظيم الحق ومعرفة النفس وتصديق الوعيد وأما معرفة الزيادة والنقصان في الأيام فإنها تستقيم بثلاثة أشياء بسماع العلم وإجابة دواعي الحرمة وصحبة الصالحين وملاك ذلك كله خلع العادات
[2] باب التوبة قال الله عز وجل: ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون فأسقط اسم الظلم عن التائب والتوبة لا تصح إلا بعد معرفة الذنب وهي أن تنظر في الذنب إلى ثلاثة أشياء إلى انخلاعك من العصمة حين إتيانة وفرحك عند الظفر به وقعودك على الإصرار عن تداركه مع يقينك بنظر الحق إليك وشرائط التوبة ثلاثة أشياء الندم والاعتذار والإقلاع وحقائق التوبة ثلاثة أشياء تعظيم الجناية واتهام التوبة وطلب إعذار الخليقة وسرائر حقيقة التوبة ثلاثة أشياء تمييز التقية من العزة ونسيان الجناية والتوبة من التوبة أبدا لأن التائب داخل في الجميع من قوله تعالى وتوبوا إلى الله جميعا فأمر التائب بالتوبة ولطائف سرائر التوبة ثلاثة أشياء أولهما أن تنظر بين الجناية والقضية فتتعرف مراد الله فيها إذ خلاك وإتيانها فإن الله عز وجل إنما يخلى العبد والذنب لأحد معنيين أحدهما أن تعرف عزته في قضائه وبره في ستره وحلمه في إمهال راكبه وكرمه في قبول العذر منه وفضله في مغفرته والثاني ليقيم على العبد حجة عدله فيعاقبه على ذنبه بحجته واللطيفة الثانية أن تعلم أن طلب البصير الصادق سيئته لم يبق له حسنة بحال لأنه يسير بين مشاهدة المنة وتطلب عيب النفس والعمل واللطيفة الثالثة أن مشاهدة العبد الحكم لم تدع له استحسان حسنة ولا استقباح سيئة لصعوده من جميع المعاني إلى معنى الحكم فتوبة العامة لاستكثار الطاعة فإنه يدعو إلى ثلاثة أشياء إلى جحود نعمة الستر والإمهال ورؤية الحق على الله والاستغناء الذي هو عين الجبروت والتوثب على الله
وتوبة الأوساط من استقلال المعصية وهو عين الجرأة والمبارزة ومحض التزين بالحمية والاسترسال للقطيعة وتوبة الخاصة من تضييع الوقت فإنه يدعو إلى درك النقيصة ويطفئ نور المراقبة ويكدر عين الصحبة ولا يتم مقام التوبة إلا بالانتهاء إلى التوبة مما دون الحق ثم رؤية علة تلك التوبة ثم التوبة من رؤية تلك العلة
[3] باب المحاسبة قال الله عز وجل: اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد وإنما يسلك طريق المحاسبة بعد العزيمة على عقد التوبة والعزيمة لها ثلاثة أركان أحدها أن تقيس بين نعمته وجنايتك وهذا يشق على من ليس له ثلاثة أشياء نور الحكمة وسوء الظن بالنفس وتمييز النعمة من الفتنة والثاني تمييز ما للحق عما لك أو منك فتعلم أن الجناية عليك حجة والطاعة عليك منة والحكم عليك حجة ما هو لك معذرة والثالث أن تعرف أن كل طاعة رضيتها منك فهي عليك وكل معصية عيرت بها أخاك فهي إليك ولا تضع ميزان وقتك من يديك
[4] باب الإنابة قال الله عز وجل وأنيبوا إلى ربكم الإنابة ثلاثة أشياء الرجوع إلى الحق إصلاحا كما رجع إليه اعتذارا والرجوع إليه وفاء كما رجع إليه عهدا والرجوع إليه حالا كما رجع إليه إجابة وإنما يستقيم الرجوع إليه إصلاحا بثلاثة أشياء بالخروج من التبعات والتوجع للعثرات واستدراك الفائتات وإنما يستقيم الرجوع إليه وفاء بثلاثة أشياء بالخلاص من لذة الذنب وبترك الاستهانة بأهل الغفلة تخوفا عليهم مع الرجاء لنفسك وبالاستقصاء في رؤية علل الخدمة وإنما يستقيم الرجوع إليه حالا بثلاثة أشياء بالإياس من عملك ومعاينة اضطرارك وشيم برق لطفه بك
[5] باب التفكر قال الله عز وجل وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون إعلم أن التفكر تلمس البصيرة لاستدراك البغية وهو ثلاثة أنواع فكرة في عين التوحيد وفكرة في لطائف الصنعة وفكرة في معاني الأعمال والأحوال فأما الفكرة في عين التوحيد فهي اقتحام بحر الجحود لا ينجى منه إلا الاعتصام بضياء الكشف والتمسك بالعلم الظاهر وأما الفكرة في لطائف الصنائع فهي ماء يسقي زرع الحكمة وأما الفكرة في معاني الأعمال والأحوال فهي تسهل سلوك طريق الحقيقة وإنما يتخلص من الفكرة في عين التوحيد بثلاثة أشياء بمعرفة عجز العقل وبالإياس من الوقوف على الغاية وبالاعتصام بحبل التعظيم وإنما تدرك لطائف الصنائع بثلاثة أشياء بحسن النظر في مبادئ المنن والإجابة لدواعي الإشارات وبالخلاص من رق الشهوات وإنما يوقف بالفكرة على مراتب الأعمال والأحوال بثلاثة أشياء باستصحاب العلم واتهام المرسومات ومعرفة مواقع الغير
[6] باب التذكر قال الله عز وجل وما يتذكر إلا من ينيب التذكر فوق التفكر فإن التفكر طلب والتذكر وجود وأبنية التذكر ثلاثة أشياء الانتفاع بالعظة واستبصار العبرة والظفر بثمر الفكرة وإنما ينتفع بالعظة بعد حصول ثلاثة أشياء بشدة الافتقار إليها والعمي عن عيب الواعظ وبذكر الوعد والوعيد وإنما تستبصر العبرة بثلاثة أشياء بحياة العقل ومعرفة الأيام والسلامة من الأغراض وإنما تجنى ثمرة الفكرة بثلاثة أشياء بقصر الأمل والتأمل في القرآن وقلة الخلطة والتمني والتعلق والشبع والمنام
[7] باب الاعتصام قال الله عز وجل: واعتصموا بحبل الله جميعا واعتصموا بالله هو مولاكم الاعتصام بحبل الله هو المحافظة على طاعته مراقبا لأمره والاعتصام بالله هو الترقي عن كل موهوم والتخلص من كل تردد والاعتصام على ثلاث درجات اعتصام العامة بالخبر واستسلاما وإذعانا أ بتصديق الوعد والوعيد ب وتعظيم الأمر والنهي ج وتأسيس المعاملة على اليقين والإنصاف وهو الاعتصام بحبل الله [2] واعتصام الخاصة بالانقطاع أ وهو صون الإرادة قبضا ب وإسبال الخلق على الخلق بسطا ج ورفض العلائق عزما وهو التمسك بالعروة الوثقى [3] واعتصام خاصة الخاصة بالاتصال أ وهو شهود الحق تفريدا ب بعد الاستخذاء له تعظيما ج والاشتغال به قربا وهو الاعتصام بالله
[8] باب الفرار قال الله عز وجل ففروا إلى الله الفرار هو الهرب مما لم يكن إلى ما لم يزل وهو على ثلاث درجات فرار العامة أ من الجهل إلى العلم عقدا وسعيا ب ومن الكسل إلى التشمير حذرا وعزما ج ومن الضيق إلى السعة ثقة ورجاء [2] وفرار الخاصة أ من الخبر إلى الشهود ب ومن الرسوم إلى الأصول ج ومن الحظوظ إلى التجريد [3] وفرار خاصة أ مما دون الحق إلى الحق ب ثم من شهود الفرار إلى الحق ج ثم الفرار من الفرار إلى الحق
[9] باب الرياضة قال الله عز وجل والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة الرياضة تمرين النفس على قبول الصدق وهي على ثلاث درجات رياضة العامة أ تهذيب الأخلاق بالعلم ب وتصفية الأعمال بالإخلاص ج وتوفير الحقوق في المعاملة [2] ورياضة الخاصة أ حسم التفرق ب وقطع الالتفات إلى المقام الذي جاوزه ج وإبقاء العلم يجري مجاريه [3] ورياضة خاصة الخاصة أ تجريد الشهود ب والصعود إلى الجمع ج ورفض المعارضات والمعاوضات
[10] باب السماع قال الله عز وجل ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم نكتة السماع حقيقة الانتباه وهو على ثلاثة درجات أ سماع العامة ثلاثة أشياء إجابة زجر الوعيد رغبة وإجابة دعوة الوعد جهدا وبلوغ مشاهدة المنة استبصارا ب وسماع الخاصة ثلاثة أشياء شهود المقصود في كل رمز والوقوف على الغاية في كل حي والخلاص من التلذذ بالتفرق ج وسماع خاصة الخاصة سماع يغسل العلل عن الكشف ويصل الأبد بالأزل ويرد النهايات إلى الأول
قسم الأبواب وأما قسم الأبواب فهو عشرة أبواب وهي الحزن والخوف والإشفاق والخشوع والإخبات والزهد والورع والتبتل والرجاء والرغبة
[11] باب الحزن
قال الله عز وجل تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا الحزن توجع لفائت أو تأسف على ممتنع وله ثلاث درجات 1. الدرجة الأولى حزن العامة وهو حزن على التفريط في الخدمة وعلى التورط في الجفاء وعلى ضياع الأيام 2. والدرجة الثانية حزن أهل الإرادة وهو حزن على تعلق الوقت بالتفرق وعلى اشتغال النفس عن الشهود وعلى التسلي عن الحزن 3. وليست الخاصة من مقام الحزن في شيء ولكن الدرجة الثالثة من الحزن التحزن للعارضات دون الخواطر ومعارضات القصود والاعتراضات على الأحكام
[12] باب الخوف
قال الله عز وجل يخافون ربهم من فوقهم الخوف هو الانخلاع عن طمأنينة الأمن بمطالعة الخبر وهو على ثلاث درجات 1. الدرجة الأولى الخوف من العقوبة وهو الخوف الذي يصح به الإيمان وهو خوف العامة وهو يتولد من تصديق الوعيد وذكر الجناية ومراقبة العاقبة 2. والدرجة الثانية خوف المكر في جريان الأنفاس المستغرقة في اليقظة المشوبة بالحلاوة 3. وليس في مقام أهل الخصوص وحشة الخوف إلا هيبة الإجلال وهي أقصى درجة يشار إليها في غاية الخوف وهي هيبة تعارض المكاشف أوقات المناجاة وتصون المشاهد أحيان المسامرة وتقصم المعاين بصدمة العزة
[13] باب الاشفاق
قال الله عز وجل قالوا إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين الإشفاق دوام الحذر مقرونا بالترحم وهو على ثلاث درجات الدرجة الأولى إشفاق على النفس أن تجمح إلى العناد وإشفاق على العمل أن يصير إلى الضياع وإشفاق على الخليقة لمعرفة معاذيرها والدرجة الثانية إشفاق على الوقت أن يشوبه تفرق وعلى القلب أن يزاحمه عارض وعلى اليقين أن يداخله سبب والدرجة الثالثة إشفاق يصون سعيه من العجب ويكف صاحبه عن مخاصمة الخلق ويحمل المريد على حفظ الحد
[14] باب الخشوع
قال الله عز وجل ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق الخشوع خمود النفس وهمود الطباع لمتعاظم أو مفزع وهو على ثلاث درجات الدرجة الأولى التذلل للأمر والاستسلام للحكم والاتضاع لنظر الحق والدرجة الثانية ترقب آفات النفس والعمل ورؤية فضل كل ذي فضل عليك وتنسم نسيم الفناء الدرجة الثالثة حفظ الحرمة عند المكاشفة وتصفية الوقت من مراياة الخلق وتجريد رؤية الفضل
[15] باب الاخبات
قال الله عز وجل وبشر المخبتين الإخبات من أوائل مقام الطمأنينة وهو ورود المأمن من الرجوع والتردد وهو على ثلاث درجات الدرجة الأولى أن تستغرق العصمة الشهوة وتستدرك الإدارة الغفلة ويستهوي الطلب السلوة والدرجة الثانية ان لا ينقص إرادته سبب ولا يوحش قلبه عارض ولا تقطع الطريق عليه فتنة والدرجة الثالثة أن يستوي عنده المدح والذم وتدوم لائمته لنفسه ويعمى عن نقصان الخلق عن درجته
[16] باب الزهد
قال الله عز وجل بقية الله خير لكم الزهد إسقاط الرغبة عن الشيء بالكلية وهو للعامة قربة وللمريد ضرورة وللخاصة خشة وهو على ثلاث درجات الدرجة الأولى الزهد في الشبهة بعد ترك الحرام بالحذر من المعتبة والأنفة من المنقصة وكراهة مشاركة الفساق والدرجة الثانية الزهد في الفضول وما زاد على المسكة والبلاغ من القوت باغتنام التفرغ إلى عمارة الوقت وحسم الجأش والتحلي بحلية الأنبياء والصديقين والدرجة الثالثة الزهد في الزهد بثلاثة أشياء باستحقار ما زهدت فيه واستواء الحالات عندك والذهاب عن شهود الاكتساب ناظرا إلى وادي الحقائق
[17] باب الورع
قال الله عز وجل وثيابك فطهر الورع توق مستقصي على حذر أو تحرج على تعظيم وهو آخر مقام الزهد للعامة وأول مقام الزهد للمريد وهو على ثلاث درجات الدرجة الأولى تجنب القبائح لصون النفس وتوفير الحسنات وصيانة الإيمان والدرجة الثانية حفظ الحدود عند ما لا بأس به إبقاء على الصيانة والتقوى وصعودا على الدناءة وتخلصا عن اقتحام الحدود والدرجة الثالثة التورع عن كل داعية تدعو إلى شتات الوقت والتعلق بالتفرق وعارض يعارض حال الجمع
[18] باب التبتل
قال الله عز وجل وتبتل إليه تبتيلا التبتل الانقطاع بالكلية وقوله إليه دعوة إلى التجريد المحض وهو على ثلاث درجات الدرجة الأولى تجريد الانقطاع عن الحظوظ واللحوظ إلى العالم خوفا أو رجاء أو مبالاة بحال بحسم الرجاء بالرضى وقطع الخوف بالتسليم ورفض المبالاة بشهود الحقيقة والدرجة الثانية تجريد الانقطاع عن التعريج على النفس بمجانبة الهوى وتنسم روح الأنس وشيم برق الكشف والدرجة الثالثة تجريد الانقطاع إلى السبق بتصحيح الاستقامة والاستغراق في قصد الوصول والنظر إلى أوائل الجمع
[19] باب الرجاء
قال الله عز وجل لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر الرجاء أضعف منازل المريد لأنه معارضة من وجه واعتراض من وجه وهو وقوع في الرعونة في مذهب هذه الطائفة إلا ما فيه من فائدة واحدة ولها نطق باسمه التنزيل والسنة ودخل في مسالك المحققين وتلك الفائدة أنه يفثأ حرارة الخوف حتى لا يعدو إلى الإياس والرجاء على ثلاث درجات الدرجة الأولى رجاء يبعث اعامل على الاجتهاد ويولد التلذذ بالخدمة ويوقظ لسماحة الطباع بترك المناهي والدرجة الثانية رجاء أرباب الرياضات أن يبلغوا موقفا تصفو فيه همهم برفض الملذوذات ولزوم شروط العلم واستقصاء حدود الحمية والدرجة الثالثة رجاء أرباب طيب القلوب وهو رجاء لقاء الحق عز وجل الباعث على الاشتياق المنغص لعيش المزهد في الخلق
[20] باب الرغبة
قال الله عز وجل ويدعوننا رغبا ورهبا الرغبة ألحق بالحقيقة من الرجاء وهي فوق الرجاء لأن الرجاء طمع يحتاج إلى تحقيق والرغبة سلوك على تحقيق والرغبة على ثلاث درجات الدرجة الأولى رغبة أهل الخبر تتولد من العلم فتبعث على الاجتهاد المنوط بالشهود وتصون السالك من وهن الفترة وتمنع صاحبها من الرجوع إلى غثاثة الرخص والدرجة الثانية رغبة أرباب الحال وهي رغبة لا تبقى من المجهود إلا مبذولا ولا تدع للهمة ذبولا ولا تترك غير المقصود مأمولا والدرجة الثالثة رغبة أهل الشهود وهي تشرف تصحبة تقية لا تبقى معه من التفرق بقية قسم المعاملات وأما قسم المعاملات فهو عشرة أبواب وهي الرعاية والمراقبة والحرمة والإخلاص والتهذيب والاستقامة والتوكل والتفويض والثقة والتسليم
[21] باب الرعاية
قال الله عز وجل فما رعوها حق رعايتها الرعاية صون بالعناية وهي على ثلاث درجات الدرجة الأولى رعاية الأعمال والدرجة الثانية رعاية الأحوال والدرجة الثالثة رعاية الأوقات فأما رعاية الأعمال فتوفيرها بتحقيرها والقيام بها من غير نظر إليها وإجراؤها مجرى العلم لا على التزين بها وأما رعاية الأحوال فهي أن يعد الاجتهاد مراياة والنفس تشبعا والحال دعوى وأما رعاية الأوقات فأن يقف مع خطوة ثم أن يغيب عن خطوه بالصفاء من رسمه ثم أن يذهب عن شهود صفوه
[22] باب المراقبة
قال الله عز وجل لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة المراقبة دوام ملاحظة المقصود وهي على ثلاث درجات الدرجة الأولى مراقبة الحق في السير إليه على الدوام بين تعظيم مذهل ومداناة حاملة وسرور باعث والدرجة الثانية مراقبة نظر الحق إليك برفض المعارضة وبالإعراض عن الاعتراض ونقض رعونة التعرض والدرجة الثالثة مراقبة الأزل بمطالعة عين السبق استقبالا لعلم التوحيد ومراقبة ظهور إشارات الأزل على أحايين الأبد ومراقبة الخلاص من ربطة المراقبة
[23] باب الحرمة
قال الله عز وجل ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه الحرمة هي التحرج عن المخالفات والمجاسرات وهي على ثلاث درجات الدرجة الأولى تعظيم الأمر والنهي لا خوفا من العقوبة فيكون خصومة للنفس ولا طلبا لمثوبة فيكون مسترقا للأجرة ولا شاهدا للجد فيكون متدينا بالمراياة فإن هذه الأوصاف كلها شعب من عبادة النفس والدرجة الثانية إجراء الخبر على ظاهره وهو أن يبقى أعلام توحيد العامة الخبرية على ظواهرها لا يتحمل البحث عنها تعسفا ولا يتكلف لها تأويلا ولا يتجاوز ظواهرها تمثيلا ولا يدعي عليها إدراكا أو توهما والدرجة الثالثة صيانة الانبساط أن تشوبه جرأة وصيانة السرور أن يداخله أمن وصيانة الشهود أن يعارضه سبب
[24] باب الإخلاص
قال الله عز وجل ألا لله الدين الخالص الإخلاص تصفية العمل من كل شوب وهو على ثلاث درجات الدرجة الأولى إخراج رؤية العمل من العمل والخلاص من طلب العوض على العمل والنزول عن الرضى بالعمل والدرجة الثانية الخجل من العمل مع بذل المجهود وتوفير الجهد بالاحتماء من الشهود ورؤية العمل في نور التوفيق من عين الجود والدرجة الثالثة إخلاص العمل بالخلاص من العمل تدعه يسير مسير العلم وتسير أنت مشاهدا للحكم حرا من رق الرسم
[25] باب التهذيب
قال الله عز وجل فلما أفل قال لا أحب الآفلين لتهذيب محنة أهل البدايات وهو شريعة من شرائع الرياضة وهو على ثلاث درجات الدرجة الأولى تهذيب الخدمة أن لا تخالجها جهالة ولا تسوقها عادة ولا تقف عندها همة والدرجة الثانية تهذيب الحال وهو أن لا يجمح الحال إلى علم ولا يخضع لرسم ولا يلتفت إلى حظ والدرجة الثالثة تهذيب القصد وهو تصفيته من ذل الإكراه وتحفظه من مرض الفتور ونصرته على منازعات العلم