مفهوم العبادة
هل للعبادة مفهوم يمكن أن نعرفه؟ وهل لها مفهوم عام ومفهوم خاص؟
الشيخ: نعم، مفهومها العام كما أشرت إليه آنفاً بأنها التذلل لله عز وجل محبةً وتعظيماً بفعل أوامره واجتناب نواهيه على الوجه الذي جاءت به شرائعه، هذا المفهوم العام.
والمفهوم الخاص -أعني: تفصيلها- قال شيخ الإسلام ابن تيمية : هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة، كالخوف، والخشية، والتوكل، والصلاة، والزكاة، والصيام، وغير ذلك من شرائع الإسلام.
ثم إن كنت تقصد بمعنى المفهوم الخاص والعام ما ذكره بعض العلماء من أن العبادة إما عبادة كونية أو عبادة شرعية، بمعنى: أن الإنسان قد يكون متذللاً لله سبحانه وتعالى تذللاً كونياً وتذللاً شرعياً، فالعبادة الكونية عامة تشمل المؤمن والكافر والبر والفاجر؛ لقوله تعالى: إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا [مريم:93]، فكل ما في السموات والأرض فهو خاضعٌ لله سبحانه وتعالى كوناً، لا يمكن أبداً أن يضاد الله أو يعارضه بما أراد سبحانه وتعالى بالإرادة الكونية.
وأما العبادة الخاصة وهي العبادة الشرعية، وهي التذلل لله سبحانه وتعالى شرعاً، فهذه خاصة بالمؤمنين بالله سبحانه وتعالى القائمين بأمره، ثم إن منها ما هو خاصٌ أخص وخاصٌ فوق ذلك، فالخاص الأخص كعبادة الرسل عليهم الصلاة والسلام، مثل قوله تعالى: تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ [الفرقان:1]، وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا [البقرة:23]، وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ [ص:45]، وغير ذلك من وصف الرسل عليهم الصلاة والسلام في العبودية.
المقدم: لكن ما دمنا عرفنا أن هناك عبادة كونية وعبادة شرعية، هل يثاب الذين لم يختصوا بالعبادة الكونية على هذه الصفات؟
الشيخ: هؤلاء لا يثابون عليها؛ لأنهم خاضعون لله تعالى شاءوا أم أبوا، فالإنسان يمرض ويفقر ويفقد محبوبه من غير أن يكون مريداً لذلك بل هو كارهٌ لذلك، لكن هذا خضوع لله عز وجل خضوعاً كونياً.