مما يقوي الإخلاص و يعينه علي تحقيقه و تحصيله : هو أن يُعبّد القلب و تُعبّد الجوارح لله عز وجل
الثاني مما يقوي الإخلاص و يعينه علي تحقيقه و تحصيله : هو أن يُعبّد القلب و تُعبّد الجوارح لله عز وجل :
هذا القلب أيها الاخوان كما ذكت سابقاً ، لا بد أن يُملأ و هو يعتلج في داخل الصدر بالإرادات و بالخواطر ، و لا بد له من أحد يتوجه إليه ، فإما أن يتوجه إلى الله عز وجل و إما أن يتوجه إلى المخلوقين ، و هذه الجوارح لا بد لها من عبودية شاء الإنسان أم أبى ، فإما أن يُسخّر جوارحه في تحقيق شهواته و تحصيل مطلوباته القريبة العاجلة فيكون عبداً لها ، و إما أن يسخر هذه الجوارح في مرضاة الله عز وجل فيكون عبداً لله ، و إما أن يسخر هذه الجوارح في طلب ثناء الناس و المنزلة في قلوبهم فيكون عبداً لهم .
يقول ابن القيم رحمه الله في هذا المعنى في كتابه عدة الصابرين ، يقول : " قطع العلائق و الأسباب التي تدعوه إلى موافقه الهوى ، و ليس المراد ألا يكون له هوى ، بل المراد أن يصرف هواه إلى ما ينفعه ، و يستعمله في تنفيذ مراد الرب تعالى ، فإنّ ذلك يدفع عنه شر استعماله في معاصيه ، فإنّ كل شيء من الإنسان يستعمله لله ، فإنّ الله يقيه شر استعماله لنفسه و للشيطان ، و ما لا يستعمله لله استعمله لنفسه و هواه لا بد ، فالعلم إن لم يكن لله كان للنفس و الهوى ، و العمل إن لم يكن لله كان للرياء و النفاق ، و المال إن لم ُينفق في طاعة الله أُنفق في طاعة الشيطان و الهوى ، و الجاه إن لم يستعمله لله استعمله صاحبه في هواه و حظوظه ، و القوة إن لم يستعملها في أمر الله استعملته في معصيته ، فمن عود نفسه العمل لله ، لم يكن عليه أشق من العمل لغيره ، و من عود نفسه العمل لهواه وحظه ، لم يكن عليه أشق من الإخلاص و العمل لله ، و هذا في جميع أبواب الأعمال " . انتهى كلامه رحمه الله
و هذه جملةٌ بديعة في غاية النفاسة حيث تحوي معنىً كبيراً ، " .. من عود نفسه العمل لله ، لم يكن عليه أشق من العمل لغيره ، و من عود نفسه
العمل لهواه وحظه ، لم يكن عليه أشق من الإخلاص و العمل لله " ، و هذا في جميع الأعمال .
الذي تعود أن يعمل في مناسبات و في حضور الجموع الغفيرة فإنّه لا يمكن أن يجود بنفقة أو صدقة أو أن يقوم بعمل إن غابت عنه الجموع ، و الذي عود نفسه العمل لله عز وجل ، لو أنّه طُلب منه أن يتزين لأحد من المخلوقين بشيءٍ من العمل ، فإنّ ذلك يكون عليه في غايه المشقة ، لو قيل له من المصلحة أن يراك فلان و يرى هذه الأعمال التي تقوم بها و نريد منك أن تعملها بحضرته ، فإنّ ذلك يكون في غاية المشقة عليه ، فالمخلص الذي تعود على الإخلاص لا يستطيع ذلك في أي حال من الأحوال ، أما غير المخلص لا يعمل الا إذا شاهده الآخرون و الله المستعان .