من الدخان إلى المصابيح
ولكن ماذا عن المرحلة التالية للدخان في القرآن؟ ماذا يخبرنا كتاب الله تعالى؟ لو تأملنا الآية التي تلي آية الدخان مباشرة نجد قول الحق عز وجل: ﴿فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾ [فصلت: 12]. وكما نرى الآية تتحدث عن تزيين السماء بالنجوم، وهذا ما يقوله العلماء اليوم بالحرف الواحد كما رأينا!
فجميع العلماء يؤكدون أن المرحلة التالية للدخان هي مرحلة تشكل المصابيح أو النجوم شديدة اللمعان، وهذا ما أخبرنا به القرآن، عندما تحدث عن الدخان أولاً: ﴿وهي دخان﴾، ثم تحدث في الآية التالية مباشرة عن النجوم اللامعة: ﴿وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ﴾، فهل جاء هذا الترتيب بالمصادفة أم هو بتقدير الله سبحانه وتعالى القائل: ﴿ذلك تقدير العزيز العليم﴾؟؟
المصابيح الكونية
فجميع علماء الفضاء يقررون أن الكون كان مليئاً بغز حار ثم تبرد وأول ما تشكل هو النجوم. والقرآن يقرر بأن السماء أو الكون كان دخاناً ثم زيَّن الله السماء بالنجوم وسماها المصابيح، وهنا لا بدّ من تساؤل:لماذا لم يقل الله تعالى في هذه الآية بالذات: (وزينا السماء الدنيا بنجوم، أو كواكب، أو مجرَّات...)؟ لماذا ذكر المصابيح في هذه المرحلة من عمر الكون عندما كان دخاناً؟ ونحن نعلم من خلال معاجم اللغة العربية بأن المصباح يستخدم لإضاءة الطريق، ونعلم بأن ضوء هذه النجوم لا يكاد يرى، فكيف سمى القرآن هذه النجوم بالمصابيح، فماذا تضيء هذه المصابيح؟
هذا التساؤل تطلب مني رحلة شائكة في عالم الاكتشافات الكونية حول الكون المبكر وتشكل النجوم والدخان الكوني، ولكن الذي أدهشني بالفعل أن العلماء التقطوا صوراً رائعة للنجوم شديدة اللمعان أو الكوازرات.
وقد أدركوا أن هذه النجوم هي الأقدم في الكون تضيء الطريق الذي يصل بيننا وبينها، وبل بواسطتها استطاع العلماء دراسة ما حولها واستفادوا من إضاءتها الهائلة والتي تبلغ ألف شمس كشمسنا!!!
لذلك أطلقوا عليها اسماًَ جديداً وغريباً وهو "المصابيح الكاشفة" أي flashlights ، وسبحان الذي سبقهم إلى هذا الاسم فقال عن النجوم التي تزين السماء: ﴿وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾ [فصلت: 12].
إن العلماء اليوم يسمون هذه النجوم "مصابيح" وقد سبقهم القرآن إلى هذا الاسم قبل 1400 سنة، فقال: ﴿وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ﴾، أليست هذه معجزة واضحة للقرآن؟ ألا نرى من خلال هذا الاسم التطابق الكامل بين ما يكشفه العلم من حقائق كونية يقينية، وبين كلمات القرآن الكريم؟ ولكي يكون كلامنا موثقاً وعلمياً وفيه ردّ على أولئك المشككين بالإعجاز العلمي والكوني لكتاب الله تعالى، سوف نأتي بأقوال العلماء بحرفيتها ومن مصادرها.