من ثمرات الإخلاص المُعجَّلة:أن صاحب الإخلاص يكفيه الله عز وجل من وجوه عدة
{أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ... [36] }.
[سورة الزمر]
'عَبْدَ' مفرد أضيف إلى معرفة وهو الضمير:'الهاء' :
{ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ}
والمفرد إذا أضيف إلى معرفة أكسبه العموم، والمعنى: أليس الله بكاف عباده، وهي قراءة أخرى متواترة في الآية: :
{ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عِبْادَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ... [36] }
[سورة الزمر] .
الله يكفيهم شر الأشرار، وكيد الفجار بإخلاصهم. والمعنى الثاني:
{ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ}
أي: نبيه صلى الله عليه وسلم.
والمقصود: أن الله عز وجل عبر بالعبودية هنا التي أضافها إلى نفسه، ما قال: أليس الله بكافٍ خلقه، أليس الله بكافٍ محمداً، وإنما قال: { أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} ليدل ذلك على أن سر الكفاية هو تحقيق العبودية، وهل يمكن أن تتحقق العبودية بغير الإخلاص؟ لا يمكن ذلك؛ لأنه سرها، ولهذا فإن الله عز وجل يكفى العبد كما أخبره، ويجعل له ألوان الكفاية بقدر ما عنده من تحقيق العبودية؛ لأن الحكم – وهو الكفاية هنا – المرتب على وصف – وهو: العبودية: {عَبْدَهُ} -، يزيد بزيادته وينقص بنقصانه، فكلما ازدادت عبودية العبد لله؛ كلما ازدادت كفاية الله عز وجل له، فازدد عبودية يزدك الله عز وجل كفاية وحفظاً .
{مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ[128] }
[سورة النحل] .
وإنما يؤتى العبد من تفريطه وتقصيره في هذه الأمور الثلاثة، أو في اثنين منها، أو في واحد، فمن كان قيامه في باطل؛ لم يُنصر، وإن نُصر نصراً عارضاً، فلا عاقبة له، فينصر مؤقتاً فترة زمنية ثم لا تكن له العاقبة، ينهزم بعد ذلك وينكسر، يقوم وهو مهزوم مخذول. وإن قام في حق لكن لم يقم فيه لله، وإنما قام لطلب المحمدة والشكور والجزاء من الخلق، أو التوصل إلى غرض دنيوي كان هو المقصود أولاً، والقيام في الحق وسيلة إليه، فهذا لم تُضمن له النصرة فإن الله ضمن النصرة لمن جاهد في سبيله، وقاتل لتكون كلمة الله هي العليا، لا لمن كان قيامه لنفسه وهواه فإنه ليس من المتقين، ولا من المحسنين، وإن نُصر فبحسب ما معه من الحق، فإن الله لا ينصر إلا الحق، وإذا كانت الدولة لأهل الباطل فبحسب ما معهم من الصبر، والصبر منصور أبدا فإن كان صاحبه محقاً؛ كان منصوراً له العاقبة ' ا.هـ [إعلام الموقعين 2/178] .
ويقول الفضيل بن عياض رحمه الله: 'إنما الله يريد منك نيتك وإرادتك، ومن أصلح ما بينه وبين الله؛ أصلح الله ما بينه وبين الناس، وما أسّر أحد سريرة إلاّ أظهرها الله على صفحات وجهه، وفلتات لسانه، والمخلص من يكتم حسناته كما يكتم سيئاته، ومن شاهد في إخلاصه الإخلاص فإخلاصه يحتاج إلى إخلاص ' . فالناس لا تعبأ بهم، ولا تلتفت إليهم، ولا تتجمل لهم بعملك الصالح، الله يكفيك شأن الناس:
{أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ}
إنما عليك أن تصلح ما بينك وبين الله جل جلاله .