نفع الإيمان لأهله
إن الذين عرفوا الإنسان بهذا المفهوم قالوا: إن الإيمان ضروريٌ للإنسان ..
بل هو أعظم من ضرورة الغذاء والماء والهواء، إذ أن الإنسان إذا عاش على الإيمان والدين وحيت ودبت الحياة في قلبه وروحه، ثم فُقد الهواء أو الغذاء في مجاعة -مثلاً- أو الماء ومات الإنسان وهو مؤمن فإنه يدخل الجنة، لكن إذا عاش على الهواء والغذاء والماء وجميع متطلبات الدنيا وليس عنده إيمان، وانتهت أيامه ومات فإنه يذهب إلى النار.
إذاً: ضرورة الإيمان لا نستطيع أن نجعلها في مصف هذه الضرورات، أي: من الظلم وعدم الإنصاف أن نقول: إن الإيمان ضروري للإنسان كالهواء، لا.
بل ضروري للإنسان أعظم من ضرورة الهواء؛ لأنك بغير الهواء تموت وتنتهي، وإذا لم يكن لديك إيمان حال الموت فإنك تدخل النار، يقول الشاعر:
ولو أنا إذا متنا تركنا لكان الموت راحة كل حي
ولكنا إذا متنا بعثنا ونسأل بعده عن كل شيء
وأهل النار الذين تمتعوا في الدنيا بأجسادهم، وكانوا في ملك، وسلطان، وأبهة، وأموال، ورغد من العيش، عندما يدخلون النار يتمنون العودة، ويقولون كما قال الله: يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ [الحاقة:27] ثم يتذكر ما الذي أشغله عن حياة قلبه، وإذ به ملكه وماله، فيقول: مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ [الحاقة:28-29]. كان مهتماً بملكه وماله عن روحه، فروحه في عذاب وبعد عن الله، لا يعرف لله مسجداً، ولا يقرأ لله كتاباً، ولا يقيم لأوامر الله وزناً، بل مهمل لهذا الجانب في حياته، فلما أفلس وكتبت أمامه الحسابات، ورأى أنه ليس لديه شيء ينفعه من مالٍ ولا ملك قال: مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ [الحاقة:28-29] فيقول الله للملائكة: خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ [الحاقة:30-32] وكأن سائلاً يقول: لِمَ يا ربِّ؟ قال: إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ [الحاقة:33].
أي: لم يكن عنده الغذاء الإيماني، والذي هو الضرورة الأهم! نعم.
كان عنده ملك وأموال وأولاد وجاه، وكان عنده عافية وصحة، كان عنده كل ما في الدنيا، لكن لم يكن عنده إيمان، فهل نفعته هذه الأموال؟ هل حالت أو دفعت عنه هذه المنزلة؟ لا.
فهل الإيمان ضروري كضرورة الماء والغذاء والهواء أم لا؟ نعم.
بل أهم.