هداية الخالق الكائنات لطريقة التكاثر
يقول الدكتور يوسف عز الدين موضحاً هذا الموضوع : " من الأشياء العجيبة التي تشترك فيها جميع الكائنات الحية القدرة على التكاثر ، لتكوين ذرية يكون من شأنها الاستمرار بالحياة ، واستمرار بقاء النوع وعدم انقراضه .
وتتم عملية إنجاب الذرية في الكائنات الحية المختلفة بطرق شتى ، ولكنّها تصل إلى الهدف المنشود . (فالبكتريا) (وهي من النباتات) تتكاثر ، وكذلك تفعل باقي النباتات والحيوانات على اختلاف درجة فيها . ولا يمكن من وجهة نظر العلوم الرياضية أن تحدث مصادفات يكون من شأنها إيجاد ذكر أو أنثى في آلاف من النباتات والحيوانات لهدف مرسوم ومحدد وهو إنجاب ذرية تبقى بعد الفناء .
ومن الحيوانات والنباتات ما لا يتميز فيها ذكر وأنثى ، ومع ذلك فإنّها تتكاثر وتنجب ذرية ، فحيوان صغير الحجم أوّلي مثل حيوان (الأميبا) الذي يعيش في الماء والمكّون جسمه من خلية واحدة يتكاثر بطريقة عجيبة ، إذ إنّ الحيوان الواحد ينقسم إلى قسمين ، وكل قسم يتحول إلى حيوان ، والحيوانات المتكونة من الانقسام تنقسم بدورها إلى حيوانين وهكذا ... يحدث هذا عندما تكون ظروف الحياة ملائمة وعادية .
أمَّا إذا شعر هذا الحيوان بما ينذر بالخطر فإنّه يتحوصل ؛ أي يفرز حول جسمه حوصلة ، وينقسم إلى حيوانين ، بل عشرات الحيوانات داخل الحوصلة ؛ لكي يعوض الوقت الذي قد يضيع هباء داخل الحوصلة إلى حين رجوع الظروف الملائمة لحياته .
ويحدث التكاثر عن طريق الانقسام في الحيوانات أولية عديدة غير ( الأميبا ) مثل الحيوان المسمى : (البراميسيوم) وهو يعيش في الماء ، ويتكاثر أيضاً بالانقسام الثنائي في الظروف الملائمة كما تنقسم (الأميبا) ، ولكنه من آن لآخر يحتاج إلى تجديد نشاطه وحيويته ، فيلجأ إلى طريقة أخرى للتكاثر بالغة التعقيد يكون من شأنها تجنيد النَّوى ( ولكل خلية نواة كما هو معلوم ) حيث ينجب كل فرخ في هذه الحالة أربعة أفراد بدلاً من انقسام حيوان إلى حيوانين فقط .
وفي الحيوانات الأرقى من هذه الحيوانات الأولية ، إذا كانت ظروف الحياة تحول دون سهولة التقاء الأنثى بالذكر لإنجاب الذرية ، فإنّ الحيوان في هذه الحالة يصبح أنثى ذكراً في الوقت نفسه ، أي يصبح خنثى حيث يضم جسمه أعضاء التناسل الأنثوية والذكرية جنباً إلى جنب ، فيستطيع بذلك أن ينجب ذريته دون حاجة إلى انتظار فرصة التقاء الجنسين ، يحدث هذا مثلاً في الدودة الكبدية التي تعيش في القنوات المرارية لبعض الحيوانات حيث يصعب على أحد الجنسين التنقل والتجول في هذا المكان الضيق للعثور على الجنس الآخر ، وفي الوقت نفسه إذا حدث أن التقى حيوانان من هذه الديدان من الممكن أن يلقح أحدهما الآخر حيث يصبح أحدهما وكأنه أنثى ، ويصبح الآخر وكأنه ذكر .
إن حدوث ملايين المصادفات في آن واحد لهدف معين مشترك وفي حيوانات مختلفة وبوسائل متباينة شيء لا يقره العلم ، ولا تقره علوم الرياضيات ، وفي هذه الحالة لا بدّ أن يسلم بوجود قوة خالقة عاملة وراء هذا كله .
ومنذ وجود أول حيوان ثديي على هذه الأرض ، والأنثى مزودة بمصنع لإنتاج اللبن ، وذلك لكي يضمن الصغير الحصول على غذائه بمجرد خروجه من بطه أمه ، ولو لم يجد هذا الثدي الذي يبرز من جسم الأم منذ أول حيوان ثديي لما أتيحت فرصة النمو والبقاء على قيد الحياة لأول مولود ، أي أنها عملية مدبرة ومقدرة منذ البداية ، ولا تخضع للتجربة والخطأ ، إذ أنها لا تحتمل الخطأ مرة واحدة .
فهل يمكن أن يتصور أيّ إنسان عاقل أن تزويد الأم بطعام الصغير المولود يأتي نتيجة مصادفة عمياء ؟ ولبن أنثى الحيوانات الثديية – علاوة على فائدته الغذائية – نجده مزوداً بمواد تحمل للمولود مناعة ضد الأمراض إلى أن يشب عن الطوق ، ويمكن جسمه من الدفاع عن نفسه . وجميع الجهود التي تضافرت لصنع الألبان اللازمة لتغذية الصغار فشلت في صنع الألبان التي تحمل نفس صفات اللبن الذي أمد الله به الأنثى " .
أهمية الغريزة الجنسية :
ويحدثنا الدكتور يوسف عن الغريزة الجنسية وأهميتها وعظيم أثرها فيقول : " ومن الأشياء التي حيرت العلماء كنه الغريزة الجنسية ، تلك الغريزة التي تجعل الذكر ينجذب إلى الأنثى ، والأنثى تنجذب إلى الذكر .
والغريزة الجنسية هي أقوى الغرائز ؛ لأنها أهما بالنسبة لبقاء النوع وعدم انقراضه ، والهدف الرئيسي لبقاء بعض الحيوانات هو إتمام الالتقاء الجنسي ، ثم يموت بعد ذلك .
فالطور الكامل للحشرات المسماة (ذباب مايو) ، لا يزيد عن بضعة أيام ، وهي في طورها الكامل هذا لا تتغذى إذ لا توجد بها أجزاء للفم تصلح لتناول الطعام إطلاقاً ، وإنما وظيفتها الرئيسية في هذه الفترة القصيرة من العمر هي التقاء الذكر بالأنثى لإنجاب الذرية ، حيث تموت الأم بعد ذلك مباشرة بعد أن تكون أدّت رسالتها وكذلك يموت الأب .