هل أخذنا الكتاب بقوة؟
الشيخ / فريد الأنصاري
لكن الأمر بقي بيني وبينك الآن، أنا وأنت! هل أخذنا الكتاب بقوة؟ تَلَقِّياً وإلْقَاءً..! وهل حملنا معاً راية التحرير، تحرير ذواتنا نحن المسلمين من هذه الوثنية الجديدة، أو هذا الدِّين الوضعي الجديد: العولمة! بأصنامها الثلاثة: الأول صنم الإعلام الممجِّد للشيطان، والثاني: صنم التعليم العلماني، الذي يربي الأجيال على التمرد على الله! وينتج ثقافة الجسد، المقدِّسة للغرائز والشهوات البَهَمِيَّة! والثالث: صنم الاقتصاد الاستهلاكي المتوحش! المدمر لكل شيء!
الأمر بقي بيني وبينك الآن، أنا وأنت! هل أخذنا العهد معاً من القرآن؟ على العمل بمفاهيم القرآن، ومقولات القرآن؟ أم أننا لا نزال مترددين؟ نرزح تحت تأثير السِّحْرِ الإعلامي والدَّجَلِ السياسي، نؤله الأصنام الوهمية التي صنعتها لنا ثقافة الآخر وبرامجه التعليمية! وننبطح متذللين تحت أقدام إغراءات ثقافة الاستهلاك نلتهم كل ما يطعموننا من نجاسات!
الأمر بقي بيني وبينك الآن، أنا وأنت! فهذا القرآن – عهد الله - يفتح أبواب مجالسه للمؤمنين، الذاكرين، المطمئنين، أهل السِّيمَاءِ النبوية، الرُّكَّعِ السُّجَّدِ، السالكين إلى الله عَبْرَ مسالك اليقين! متدرجين بالغدو والآصال، ما بين نداءات الصلوات ومجالس القرآن، مُرَتِّلِينَ للآيات، متدارسين ومتعلمين؛ حتى يأتيهم اليقين. تلك مدرسة القرآن؛ لتحرير الإنسان، وفَكِّ إسَارِهِ العتيد من أغلال الأوثان، ومفاهيم الشيطان!
فيا فتية القرآن! ألم يَأْنِ لكم أن تُوَحِّدُوا القِبْلَةَ؟.. فإنما كلمة القرآن عَهْدُ أمَانِكُم، لم يزل نورُها يخرق الظلمات إلى يوم الدين:
(قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ. وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ!)
ثم ألقى الله - جَلَّ ثناؤه - العهدَ إلى رسوله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم
(قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيه!ِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِير!ِ)
قرآنا يتدفق عُمْرَانُهُ الرباني على الأرض، فيملأ العَالَمَ أمْناً وسَلاماً، ينطلق متدرجا مثل الفجر؛ من تلاوة الذاكرين الْخُشَّع إلى صلاة العابدين الركع.. ينطلق حركةً قرآنية شعارها:
(اُتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ! إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ. وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ. وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ!)
فمن ذا قدير على سماع خطاب الله ثم يخلد إلى الأرض، ويرضى أن يكون مع الْخَوَالِفِ! ويقعد مع القاعدين؟.. كيف وذاك عهد الله، عهد الأمان! فمن ذا يجرؤ على خرق أمانه؟
ويحك يا صاح!.. تلك الأيدي تمتد إلى يَدِ رسول الله صلى الله عليه وسلم مستجيبة لتوثيق العهد، وهاتيك:
(يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ! فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَنُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا)
.. إنها مجالس الرضوان، تحت شجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، تشرق أنوارها الخضراء على زمانك هذا عبر (مجالس القرآن)، مجالس الخير المفتوحة على وجدان كل مَنْ
(كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ)
فاستمع يا صاح!.. ذلك نداء الله يتنـزل عليك! وتلك يد رسول الله تمتد إليك! ولكنَّ الزَّمَنَ يَتَفَلَّتُ من بين يَدَيْكَ..! فإلى متَى أنت لا تَمُدُّ يَدَك؟!