و في أنفسكم أفلا تبصرون
والإنسان يا أخي الحبيب فسبحان الله خالقه لما فيه من الآيات العجيبة ولما في خلقه من الدقة وبديع الصنع، فهو مجموعة من الأجهزة كالهضم والتنفس والكلية والسمع والبصر والذوق والتناسل والعضلات وغيرها، يسيطر عليها وينظم عملها الجهاز العصبي المركزي، وبمؤازرة الجهاز العصبي الذاتي الذي ينظم بعضها كالقلب والتنفس وحركة الأمعاء وغيرها؛ حيث إنها تعمل ذاتيًا وتتأثر بالخوف والقلق والسرور...إلخ، والجهاز الغدي كالغدة الدرقية والخصيتين والمبيض والكظر، فيسيطر عليها وينظم عملها الغدة النخامية حيث إنها تفرز هرمونات تحرض هذه الغدد على العمل عند تقصيرها، وهرمونات أخرى تثبطها عند زيادة إفرازها وفق آلية عمل دقيقة جدًا وعجيبة، وأما كمية هذه الهرمونات فهي أجزاء صغيرة من الملغرام، وأما الأعراض المرضية التي نراها عند الخلل في عمل أحدها – عافانا الله وإياك يا أخي المسلم – منها البنكرياس فقصوره يؤدي إلى الداء السكري وقصور الهضم، وزيادة عمله تؤدي إلى هجمات نقص السكر والإغماء والصرع... وكذا باقي الغدد كل منها ضروري لنمو الإنسان وتطوره وتناسله وعافيته. فهذه آيات عظيمة من آيات الله سبحانه وتعالى.
وفي الكلية آية أخرى فهذه بها القشر والكؤيسات والحويضة، والقشر مؤلف من مليون من النفرونات وهذه مؤلفة من الكبة وعروة هنلي والأنبوب القريب والأنبوب البعيد، وهي تقوم بعمل ضروري ودقيق حيث تخلص الدم من الفضلات مثل البول ومركبات الآزوت السامة والمعادن والأدوية وغيرها من السموم الناتجة عن الاستقلاب في الجسم، فتطرحها في البول، كما تحافظ على تركيز محدد ودقيق للماء والشوارد في الدم، فمثلاً في الشتاء تطرح الكلية كمية أكبر من الماء، فيزداد البول عند الإنسان لأن التعرق أقل من الصيف حيث يفقد الماء بشدة لكثرة التعرق، فتقوم الكلية بالحفاظ عليه، ويقل البول لدى الإنسان.
وتقوم الكلية بالمحافظة على الشوارد محافظة دقيقة نرى منها مثلاً شاردة البوتاسيوم مقدارها الطبيعي بالدم (3.5 حتى 5) ميلي مول/ليتر إذا زاد عن (6.5) أدى ذلك إلى اضطراب في نظم القلب أو موت مفاجئ، وإذا نقص عن (2.5) تظهر لدى المريض أعراض الألم في العضلات والتكرز واضطرابات في نظم القلب، ومثل هذه الشاردة العشرات حيث تقوم النفرونات بالمحافظة عليها بآلية ذكية وبالتعاضد مع الغشاء الخلوي... أليس هذا أمرًا عجيبًا يدعو إلى الإيمان بخالق عظيم.
والإسلام أيها الأخ الحبيب أمرنا أن نفتح عقولنا وأذهاننا وأبصارنا، فلا ندخل فيه إلا عن بصيرة، قال تعالى: ( أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ ) [الروم: 8]، وهكذا آمن أسلافنا الأوائل إيمانًا راسخًا فتح عقولهم وأرهف حواسهم ووصلهم به سبحانه وبالعالم من حولهم.