وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ
وكما أخفى عنا -سبحانه- وقت الموت، أخفى عنا مكانه،
قال الله تعالى:
(إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)
[لقمان:34]،
وعَنْ أَبِي عَزَّةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-:
"إِنَّ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- إِذَا أَرَادَ قَبْضَ رُوحِ عَبْدٍ بِأَرْضٍ، جَعَلَ لَهُ فِيهَا أَوْ قَالَ: بِهَا حاجة"
رواه أحمد وغيره وهو صحيح؛
قال السندي: قوله: جعل له فيها أي: ليذهب إليها فيموت بها.
وإذا تقرر عندنا أن الإنسان سيعيش في الدنيا زمنا مقدرا ثم يتركها للقاء ربه، فمن الحزم أن نداوم على تذكر هذه النهاية الحتمية، وهي الموت، ولقد أرشدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى إجراءٍ فريدٍ متى داومنا عليه في هذه الحياة وصلنا به مستقبلنا الذي ينتظرنا إن شاء الله، وهذا الإجراء هو دوام تذكر هادم اللذات، أو هاذم اللذات: أي الموت.
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-
"أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ يَعْنِي الْمَوْتَ.
رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة وأحمد وقال الألباني حسن صحيح.
وفي الجامع الصغير أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:
"أكثروا ذكر هاذم اللذات: الموت؛ فإنه لم يَذْكُرْه أحدٌ في ضِيقٍ من العَيْشِ إلا وَسَّعَهُ عليه، ولا ذَكَرَهُ في سَعَةٍ إلا ضَيَّقَها عَلَيه"
حسنه الألباني.
قوله هاذم اللذات: بالذال بمعنى قاطعها، وبالدال من الهَدم. والمراد أن الموتَ، هو هاذمُ اللذات؛ لأن من يَذْكُرُه يَزْهَدُ فيها، وهو هادم اللذات؛ لأنه إذا جاء ما يُبْقِي مِن لذائذ الدنيا شيئاً.
إن علينا أن نضع لأنفسنا برنامجاً لتذكر الموت، ولا ندع تذكُّره للصدف، وإذا أحسسنا بقسوة في القلب، ولهفة على الدنيا، علينا أن نسارع لعلاج أنفسنا بتذكر الموت بأي طريق يذكرنا.
ما نراه في المقابر أعظم وأكبر معتبر، فحامل الجنازة اليوم محمول غدًا، ومن يرجع من المقبرة إلى بيته سيُرجعُ عنه غدًا، ويُترك وحيدًا فريدًا مرتهنًا بعمله، فإن خيرًا فخير، وإن شرًا فشرّ.
أين الذين بلغوا المنى فما لهم في المنى منازع؟! جمعوا فما أكلوا الذي جمعوا، بنوا مساكنهم فما سكنوا، ولكننا ننسى الموت، ونسبح في بحر الحياة وكأننا مخلدون في هذه الدار، قال أويس القرني -رحمه الله-: توسّدوا الموت إذا نمتم، واجعلوه نصب أعينكم إذا قمتم.