التسليم لقضاء الله وقدره
لا بد عليك أن ترضى بالقضاء، هذا هو حلك الوحيد، ليس لك حلاً غيره، وأن تُسَلِّم لله عز وجل فيما اختار، ولا تعترض على ربك فيما فعل، فإن الله عز وجل لا يفعل الفعل إلا لحكمة جلت عن أفهام العباد.
وصدق إبراهيم الحربي رحمه الله حين قال: من لم يؤمن بالقدر لم يتهنَّ بعيشه. أي: فهو ساخط وكاره بصفة متسمرة.
ذكر يحيى بن عاصم الغرناطي في كتاب (جنة الرضا في التسليم لما قدر الله وقضى) عن بعض الكتب الإسرائيلية: أن نبياً من أنبياء بني إسرائيل كان يجلس على قمة جبل، فرأى فارساً وبيده صُرة مال، وأتى على بئرٍ فوضع الصرة على حافة البئر ونزل فشرب، ثم نسي المال وانصرف، فجاء راعي غنم يسقي غنمه فوجد المال فالتقطه، وسقى الغنم وانصرف، ثم جاء رجلٌ شيخٌ كبير، فجاء البئر بعد انصراف الراعي فشرب وجلس، وتذكر الفارس مالَه فرجع، فوجد ذلك الرجلَ يجلس على حافة البئر، قال: أين المال؟ قال: ما أعرف شيئاً، قال: المال معك. ولم يشك الفارس أنه التقط المال، فلما أنكر الرجلُ أخرج الفارسُ رمحاً وقتله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أيُقْتَل البريء ويفر الآخذ؟ فقال الله عز وجل له: إن لي حكمةً جَلَّت؛ أما هذا المال فكان مِلْكاً لوالد الراعي أعطاهُ والدَ الفارس، ولا يدري الراعي ولا الفارس، وأما هذا الذي قُتِل؛ فإنه قتل أبا الفارس، فسلطت ولي الدم عليه، فأخذ بثأر أبيه، فبَكى ذلك النبي وقال: لا أعود!
مجرد سؤال: يا رب ما هذا؟ إن لم تسلم بأن الله عز وجل فعال لما يريد، ولا يظلم مثقال ذرة، تسلل إليك الشيطان من هذا الباب.
والذين ضلوا في باب القضاء والقدر هم القدرية والجبرية، فِرَق فيها عباقرة، وفيها أناس من أذكياء العالم، لماذا ضلوا؟
لأنهم ولجوا هذا الباب، وهذا الباب بضاعته التسليم والرضا، وليست بضاعته العقل، ولذلك كان هناك فرق واضح بين أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وبين الأجيال التي خلفت بعد ذلك.
ففي الصحيحين من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم دَفَنَ جنازةً في بقيع الغرقد، وكان بيده مسطرة، فجعل ينقش بها في الأرض، فقال: ما من نفسٍ منفوسةٍ إلا وكتب مقعدها من الجنة ومقعدها من النار، فقال سراقة بن مالك : يا رسول الله! أهذا أمرٌ مضى وجفَّ به القلم أم مستأنَف؟ قال: بل جف القلم بما أنت لاق، وفي بعض الروايات قال سراقة : فلا أجدني أشد حرصاً مني على العمل مثل الآن) ولم يفهم هذا الفهم المعكوس الذي تسرب إلى جماهير المسلمين فسألوا : إذا قدر الله عليَّ المعصيةَ فلِمَ يعذبني؟! وهذا اتهامٌ لله عز وجل، والصحابة لم يكونوا كذلك، قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (بل جف القلم بما أنت لاقٍ) أي: انتهى وكُتِب عند الله عز وجل: أنك من أهل الشقاوة، أو من أهل السعادة.