البشارة الأولى بمحمد صلى الله عليه وسلم في الكتاب المقدس
ورد في سفر التثنية (18/17): "قال لي الرب: قد أحسنوا فيما تكلموا أقيم لهم نبياً من وسط إخوتهم مثلك، وأجعل كلامي في فمه، فيكلمهم بكل ما أوصيه به، ويكون أن الإنسان الذي لا يسمع لكلامي الذي يتكلم به باسمي أنا أطالبه". هذا الكلام لا ينطبق إلا على النبي محمد صلى الله عليه وسلم لأنه قال: "من وسط إخوتهم". وإخوتهم هم أبناء إسماعيل عليه السلام؛ لأنه أخو إسحاق الذي ينتسب إليه بنو إسرائيل حيث هما ابنا إبراهيم عليه السلام. وأيضاً قال (مثلك) ومعلوم أن اليهود يرون أنه لم يقم في بني إسرائيل نبي مثل موسى حيث قالوا في سفر التثنية (34/10): "ولم يقم بعد نبي في إسرائيل مثل موسى، الذي عرفه الرب وجهاً لوجه". وفي النسخة السامرية من التوراة هكذا "ولا يقوم أيضاً نبي في إسرائيل مثل موسى الذي ناجاه الله شفاها". واليهود يزعمون أن هذه البشارة لنبي لم يأت بعد، وإن زعم بعضهم أن المراد بها يشوع بن نون، فهذا غير صحيح؛ لأنه ليس مثل موسى، ويزعم النصارى أن المراد بها عيسى عليه السلام، وهي في الواقع لا تصدق عليه بأي وجه؛ لأنه:-
أولاً: من بني إسرائيل وليس من إخوتهم.
ثانياً: هو ليس مثل موسى عليه السلام، فإنه تابع له، كما أنه عند النصارى إله، وابن إله، فلو أقروا بأنه مثل موسى لهدموا ديانتهم وما هم عليه.
أما النبي صلى الله عليه وسلم فتصدق عليه من جميع الوجوه، فإنه من إخوتهم، وهو مثل موسى عليه السلام نبي رسول، وأتى بشريعة جديدة، وحارب المشركين، كما فعل موسى عليه السلام. ثم إنه قال: "أجعل كلامي في فمه". فهذا كناية عن القرآن المحفوظ في الصدور، الذي تلقَّاه النبي محمد صلى الله عليه وسلم مشافهة من جبريل عليه السلام، وحفظه في قلبه، وتلاه بعد لأمته من فمه عليه الصلاة والسلام، حيث كان أميًّا لا يقرأ ولا يكتب عليه الصلاة والسلام. ثم إن الله جلَّ وعلا أتم وعده للنبي صلى الله عليه وسلم أن الذين لا يطيعونه فإن الله سيطالبهم، وقد طالبهم، فانتقم من أعدائه المشركين واليهود، ثم ممن عداهم من الأمم. وهذا لم يكن لنبي غيره، وعيسى عليه السلام لم ينتقم الله من أعدائه، بل كان أعداؤه في مكان المنتصر، فأرادوا قتله إلا أن الله جلَّ وعلا أنجاه منهم، وفي زعم النصارى أنهم قبضوا عليه وأهانوه وصلبوه.