اتخاذ الأولياء وسائطك إلى الله هو عين الكفر
اتخاذ الأولياء وسائطك إلى الله هو عين الكفر
وعلى أساس هذه الفلسفة، فلسفة التوسل والتوسط والتشفع بهؤلاء الآلهة من الأولياء، كانوا يدعونهم ويستغيثون بهم ويذبحون وينذرون لهم ويطوفون حول أنصابهم وتماثيلهم جاعلينهم محط مآلهم ومعقد رجائهم والباب الذي يصلون منه إلى الله بزعمهم.
فهذا وأمثاله هو الذي أنكره الله عليهم واعتبره منهم شركًا وكفرًا، به أحل دماءهم وأموالهم وجالدهم عليه محمد ﷺ بالسيوف في بدر, وأحد وحنين والخندق وغيرها، وقطع بينه وبينهم – من أجله – كل أواصر القرابة والنسب.
واعتبره الله عبادة منهم لغيره وشركًا به، وغضب عليهم وأبعدهم من رحمته، لأنهم سلكوا هذا الطريق وابتدعوا هذه البدعة، بدعة اتخاذ الوسائط والشفعاء، يتوكلون عليهم ويلجؤون إليهم ليكونوا بابهم إلى الله دون أن يأذن لهم سبحانه وتعالى بذلك ( مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلا بِإِذْنِهِ ) . [ البقرة : 255 ]
فقال صاحبي: هذا أيضًا قول مجمل ليس فيه من الأدلة القطعية ما يقنعنا بصحته، فما هو الدليل المفصل على صحته ؟؟
فقلت له: الدليل في كتاب الله أيضًا، فقد قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ * مَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ) . [ الحج : 73-74 ]
كما أنكر عليهم في آية يونس السابقة دعاءهم غيره واتخاذهم وسائط تشفع لهم عنده، وجعل ذلك شركًا به وعبادة لغير حين قال : ( وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللهِ ) ، ثم أنكر عليهم مبطلاً دعواهم ورادًا حجتهم هذه – حجة التشفع والتوسل – في تقريع وتوبيخ بقوله : ( قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ) . [ يونس : 18 ]
أي أنه سبحانه وتعالى ليس بحاجة إلى أن يتقدم إليه أحد في هذه الدنيا بوسيط أو شفيع لأنه لا يخفى عليه شيء من حال عباده حتى يتقدموا إليه بالشفعاء والوسطاء ليخبروه بما خفي عليه، تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا.
وقال تعالى منكرًا عليهم التوسط بمن يظنون بهم خيرًا من الصالحين وموضحًا أن هؤلاء الذين يدعون من دونه هم عباد أمثالهم لا يملكون لأنفسهم جلب نفع أو دفع ضر، فضلاً عن أن يكشفوا عنهم ضرًا أو يحولوا عنهم سوءًا، بل إنهم مع قربهم منه جل وعلا يتقربون إليه بالخوف منه والرجاء في رحمته ( قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً * أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ * يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا ) . [ الإسراء : 56-57 ]
وقال تعالى معتبرًا دعاء غيره من المخلوقين شركًا :
( وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ * إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ) . [ فاطر : 13-14 ]
( لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلا فِي ضَلالٍ ) . [ الرعد : 14 ]
( أَلا للهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِيمَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ ) . [ الزمر : 3 ]
فهذه بعض الأدلة – لا كلها – التي ثبتت لك صحة ما ذكرت لك من حال المشركين وتوضح حقيقة الشرك الذي كانوا عليه، هذا الشرك الذي يقع كثير من الناس فيه لجهلهم بحقيقته.