من أي شيء يكون الاستغفار ؟ (1)
إن الاستغفار يكون من ترك الواجبات، ومن الوقوع في المحرمات، لا كما يظن البعض أن الاستغفار يكون من فعل الذنب فقط.
وأنقل هنا كلامًا ماتعًا لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يُقرِّر فيه أنَّ الاستغفار كما أنه واجب على من وقع في المحرمات، كذلك هو واجب على من ترك الواجبات فيقول: " التوبة والاستغفار يكون من ترك الواجبات وفعل المحرمات، والأول يخفى على كثير من الناس.
قال تعالى: ( فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ ) [غافر: 55]، وقال تعالى: ( فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ) [محمد: 19] وقـال تعالى: ( لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ) [الفتح: 2]، قال: ( أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ * وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ) [هود: 2، 3]. ومثل هذا في القرآن كثير.
فنقول: التوبة والاستغفار يكون من ترك مأمور ومن فعل محظور، فإنَّ كلاهما من السيئات والخطايا والذنوب، وترك الإيمان والتوحيد والفرائض التي فرضها الله تعالى على القلب والبدن من الذنوب بلا ريب عند كلِّ أحد، بل هي أعظم الصنفين؛
فإنَّ جنس ترك الواجبات أعظم من جنس فعل المحرمات، إذ قد يدخل في ذلك ترك الإيمان والتوحيد، ومن أتى بالإيمان والتوحيد لم يخلد في النار ولو فعل ما فعل، ومن لم يأت بالإيمان والتوحيد كان مخلدًا،
ولو كانت ذنوبه من جهة الأفعال قليلة: كالزهَّاد والعُبَّاد من المشركين وأهل الكتاب، كعباد مشركي الهند وعُباد النصارى وغيرهم، فإنهم لا يقتلون ولا يزنون ولا يظلمون الناس، لكنَّ نفس الإيمان والتوحيد الواجب تركوه.
ولكن يقال: ترك الإيمان والتوحيد الواجب إنما يكون مع الاشتغال بضدِّه، وضده إذا كان كفرًا فهم يُعاقبون على الكفر، وهو من باب المنهيِّ عنه، وإن كان ضده من جنس المباحات كالاشتغال بأهواء النفس ولذاتها من الأكل والشرب والرئاسة وغير ذلك عن الإيمان الواجب، فالعقوبة هنا لأجل ترك الإيمان، لا لأجل ترك هذا الجنس.
وقد يقـال: كلُّ من ترك الإيمان والتوحيد فلا يتركه إلاَّ إلى كفرٍ وشك، فإنَّ النفس لا بدَّ لها من إله تعبده، فمن لم يعبد الرحمن عبد الشيطان. فيقال: عباد الشيطان جنس عام، وهذا إذا أمره أن يشتغل بما هو مانع له من الإيمان والتوحيد يقال عَبَدَه، كما أنَّ من أطاع الشيطان فقد عبدَه ولكن عبادة دون عبادة.
والناس نوعان: طلاب دين، وطلاب دنيا.
فهو يأمر طلاب الدين بالشرك والبدعة، كعباد المشركين وأهل الكتاب، ويأمر طلاب الدنيا بالشهوات البدنية.
وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إنَّ أخوف ما أخاف عليكم شهوات الغيِّ في بطونكم وفروجكم ومضلات الفتن» (رواه أحمد بسند صحيح)..