يبتلي الله عبده المؤمن ليسمع تضرعه إليه
الله تعالى يبتلي عبده ليتضرع إليه ويلجأ إليه ، ويلح عليه في الدعاء ، فيسمع دعاءه وتضرعه ومناجاته ، وهذه عبودية يحبها الله ، قال تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) الأنعام/ 42، 43 .
وقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: " مَا يَكْرَهُ الْعَبْدُ خَيْرٌ لَهُ مِمَّا يُحِبُّ؛ لِأَنَّ مَا يَكْرَهُهُ يَهِيجُهُ عَلَى الدُّعَاءِ، وَمَا يُحِبُّ يُلْهِيهِ عَنْهُ " .
وعَنْ كُرْدُوسَ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: " فِيمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ الْكُتُبِ : إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْتَلِي الْعَبْدَ وَهُوَ يُحِبُّهُ؛ لَيَسْمَعَ تَضَرُّعَهُ " .
"الفرج بعد الشدة" لابن أبي الدنيا (ص 41-42) .
وقال ابن القيم رحمه الله :
" الله تعالى يبتلى عبده ليسمع شكواه وتضرعه ودعاءه، وقد ذم سبحانه من لم يتضرع اليه ولم يستكن له وقت البلاء، كما قال تعالى: {ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون} والعبد أضعف من أن يتجلد على ربه، والرب تعالى لم يرد من عبده أن يتجلد عليه، بل أراد منه أن يستكين له ، ويتضرع اليه " انتهى من"عدة الصابرين" (ص/36) .
والمسلم يلزم الدعاء ولا يتركه ، ولا يمل منه ، ولكن يلح على الله ، ويحسن الظن به ، فالله تعالى يحب الملحين في الدعاء ، قال ابن القيم :
مِنْ أَنْفَعِ الْأَدْوِيَةِ: الْإِلْحَاحُ فِي الدُّعَاءِ " انتهى من "الجواب الكافي" (ص: 11) .
وقال أيضا :
" وأحب خلقه إليه أكثرهم وأفضلهم له سؤالا، وهو يحب الملحين في الدعاء، وكلما ألح العبد عليه في السؤال ، أحبه وقربه وأعطاه " انتهى من"حادي الأرواح" (ص/91) .
وروى البخاري (6340) ومسلم (2735) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( يُسْتَجَابُ لِأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ ، يَقُولُ دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي ) .
قال الحافظ رحمه الله : " وَفِي هَذَا الْحَدِيث أَدَب مِنْ آدَاب الدُّعَاء , وَهُوَ أَنَّهُ يُلَازِم الطَّلَب ، وَلَا يَيْأَس مِنْ الْإِجَابَة ، لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الِانْقِيَاد وَالِاسْتِسْلَام وَإِظْهَار الِافْتِقَار , حَتَّى قَالَ بَعْض السَّلَف : لَأَنَا أَشَدّ خَشْيَة أَنْ أُحْرَم الدُّعَاء ، مِنْ أَنْ أُحْرَم الْإِجَابَة .
وقال اِبْن الْجَوْزِيّ : اِعْلَمْ أَنَّ دُعَاء الْمُؤْمِن لَا يُرَدّ ، غَيْر أَنَّهُ قَدْ يَكُون الْأَوْلَى لَهُ تَأْخِير الْإِجَابَة ، أَوْ يُعَوَّض بِمَا هُوَ أَوْلَى لَهُ ، عَاجِلًا ، أَوْ آجِلًا .
فَيَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ لَا يَتْرُك الطَّلَب مِنْ رَبّه فَإِنَّهُ مُتَعَبِّد بِالدُّعَاءِ كَمَا هُوَ مُتَعَبِّد بِالتَّسْلِيمِ وَالتَّفْوِيض " انتهى .
فلا تمل الدعاء ، ولا تتركه ، وأحسن الظن بالله على كل حال ، فقد قال تعالى : ( وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) البقرة / 216 .
واعلم أن الله يستجيب لعبده المتضرع إليه ، ولكن الإجابة تتنوع : فإما أن يعجل له دعوته ، وإما أن يدخرها له في الآخرة ، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها .
وقد تتأخر الإجابة لحكم يعلمها الله ، ولعل منها: محبة إلحاح عبده في سؤاله ودعائه.