مراعاة أدب المجلس
فإذا حضر رواد المجلس، وحلَّ وقت التدارس المعلوم؛ فلا بد من:
- الضابط الثالث: وهو مراعاة أدب المجلس، وذلك بالاعتدال في هيأة الجلوس بما يحفظ للعلم وقارَه، وللقرآن جلالَه. وينبغي أن يكون ذلك بصورة تساعد على حسن الاستماع، وكمال الإنصات! فلا يصح التمدد، ولا الاسترخاء، إلا لمريض أو ذي عذر؛ أو الجلوس بهيأة تخالف الآداب الإسلامية والأذواق العامة.
فالمجلسُ إنما هو مجلسُ قرآنٍ وذِكْرٍ لله تعالى،
وقد قال سبحانه:
(وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْءانُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)
(الأعراف:204).
ومما يساعد على ذلك أن يعمد الْجُلَسَاءُ إلى التَّحَلُّقِ في المجلس – ما أمكن - أي جلوسهم على هيأة حلقة، والتقارب بعضهم من بعض؛ لما ثبت في الحديث من فضل التَّحَلُّقِ لطلب العلم والذِّكْر،
فمن ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا! قالوا: وما رياض الجنة؟ قال: حِلَقُ الذِّكْرِ)
رواه أحمد والترمذي والبيهقي. وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة.
وعن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(إن لله سيارةً من الملائكة يطلبون حِلَقَ الذِّكْر!) الحديث
قال الهيثمي: (رواه البزار من طريق زائدة بن أبي الرقاد عن زياد النميري، وكلاهما وثق على ضعفه؛ فعاد هذا إسناده حسنا)(مجمع الزوائد: 10/77).
وتلك أيضا صورة جلسة التدريس، وهيأة حلقة التعليم لدى الصحابة رضوان الله عليهم. وقد سبق وصفٌ لذلك مما رواه التابعي الجليل أبو رجاء العطاردي - متحدثا عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه - قال:
(تعلمنا القرآن في هذا المسجد - يعني مسجد البصرة - وكنا نجلِسُ حِلَقاً، حِلَقاً، وكأنما أنظر إليه بين ثوبين أبيضين، وعنه أخذت هذه السورة: «اقرأ باسم ربك الذي خلق». قال: وكانت أول سورة أنزلت على محمد صلى الله عليه وسلم).
رواه الحاكم، وقال: (هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه).
ولابد من مراعاة المرونة في ذلك طبعا، على حسب هندسة البيت، أو طبيعة المكان المجتمع فيه. فإن لم يمكن التَّحَلُّقُ فلا حرج، فإنما القصد التقارب بين الأجسام لتحصيل تقارب القلوب، واشتراكها جميعا في النهل من فيض القرآن، والاستفادة من الأنوار اللطيفة، والبركات الخفية، المتنـزلةِ رحمةً وسكينةً من عند الله!