و في عالم الجهاد في سبيل الله عز وجل كيف كانوا يكتمون العمل ؟
عبد الله ابن المبارك حينما خرج في غزو بلاد الروم ، فالتقى المسلمون بالعدو و خرج علجٌ من العدو يطلب المبارزة و يجول بين الصفين ، فخرج له رجلٌ من المسلمين فما أمهله ، قتله العلج ، و خرج الثاني و قتله ، و خرج الثالث فقتله ، فبرز له رجلٌ آخر فصاوله ثمّ قتل العلج ، فاجتمع الناس عليه ينظرون من هو ، فجعل يغطي
وجهه في كمه لئلا يعرفه أحد ، فجاءه رجلٌ يقال له أبو عمرو ، فرفع كمه عن وجهه ، فإذا هو عبد الله ابن المبارك رحمه الله ، ماذا قال عبدالله ابن المبارك ؟ قال : و أنتَ يا أبا عمرو ممن يشنع علينا .
ما هذه الشناعة في نظر ابن المبارك رحمه الله ؟ الشناعة أنّه أظهر أنّ هذا هو البطل الباسل الذي تمكن من قتل هذا العلج الذي قتل مجموعةً من فرسان المسلمين على سبيل التحدي ، فقتله هذا الرجل ، فهو لم يطلب أن يُجرى معه مقابلة ليبين كيف استطاع أن يقتله ، و لماذا خرج إليه ، و الجهة التي ضربه بها بسلاحه ، و نوع هذا السلاح ، و كم قتل به من الأبطال ، و كيف يحرك هذا السلاح ليضرب به العدو ، كيف يتقدم و كيف يتأخر ، لم يطلب شيئاً من ذلك ، كان يغطي وجهه في كمه ، يريدون ما عند الله تبارك و تعالى .
و هذا رجلٌ آخر وقع في حصارٍ حاصره المسلمون للروم ، و طال هذا الحصار و اشتد الانتظار على المسلمين ، و أحرقتهم سهام العدو ، فعمل رجلا ً من المسلمين سراً إلى ناحية من الحصن ، فحفر نفقاً ثم دخل منه ، فهجم على الباب من الداخل ، و جعل يضرب الناس بسيفه حتى فتح الباب ، فدخل المسلمون و اختفى هذا الرجل ، و لم يعرف ذلك أحد ، فقال قائد المسلمين مسلمة ، يستحلف الناس ، يقول : سألتكم بالله أن يخرج إليّ صاحب النفق . فلما كان الليل جاء رجل و استأذن على حارسه – على حارس القائد - ، فقال : من هذا ؟ قال : رجل يدلكم على صاحب النفق ، فاذهب إلى صاحبك – أي القائد - و أخبره ، و قل له : يشترط عليك شرطاً و هو ألا تبحث عنه بعد ذلك اليوم أبداً ، و لا تطلب رؤيته بعده و لا الكلام معه ، فقال : له شرطه ، فأخبروني عنه من هو ، فدخل الرجل فقال : أنا و لي ما اشترطت . لا تسألني ، لا تبحث عني ، لا تدعوني بعد اليوم إلى مجلسك ، فاختفى بين الجند ، هذا لو كان الإنسان عنده خلل في القصد و الإرادة و الإخلاص ، ماذا يصنع ؟ كان يتبجح بهذا العمل ، و يطلب مقابلاً و عوضاً و رئاسةً و ما إلى ذلك ، و لربما أدّعى أنّه أحق بقيادة الجيش من هذا القائد ؛ و لذلك كان القائد مسلمة يقول في دعائه بعد ذلك : " اللهم احشرني مع صاحب النفق " ، انظروا كيف يفعل الإخلاص أيها الإخوة و الأخوات .
و لذلك أقول ينبغي أن نكتم الأعمال ؛ و لذلك أقول قد يؤتى المجاهدون في سبيل الله عز وجل بسبب نقصٍ في هذا الجانب ، فلنتنبه لذلك ، الله الله في كتمان الاعمال .