ارفعي راية الإسلام بحجابك
السِّيمَاء والسِّيمِيَاء، بياء زائدة: لفظان مترادفان لمعنى واحد، كما سيأتي بيانه. لكنا اخترنا عنونة هذا الكتاب بالسِّيمَاء، لأنه اللفظ القرآني أساسا. فقد ورد في كتاب الله، لكن مقصورا غير ممدود، أي بلا همز هكذا: (سِيمَى). قال تعالى:
(سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّن أَثَرِ السُّجُودِ)(الفتح:29)
. وقال سبحانه:
(تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُم)(البقرة:273)
. إذ هو يقصر ويمد. لكنا قد نستعمل أحدهما بدل الآخر على سبيل الترادف اللغوي والمفهومي، في السياق العام من هذه الدراسة. وفي مثل هذا قيل: "لا مشاحة في الاصطلاح".
والإنسان من حيث هو كائن وجودي له سيماؤه الخاصة. وداخل هذا المفهوم (للإنسان) نجد المرأة كالرجل، لها نفس وصورة، ولكل منهما سيماء خاصة! و للإسلام تصوير متميز لسيماء النفس، ولسيماء الصورة. وذلك ما أحببنا أن نعرض من خلاله قضية المرأة في الإسلام. لكن لابد قبل ذلك من بيان المفهوم الخاص بمصطلح السيماء، في التراث اللغوي العربي والإسلامي، الذي نصوغ من خلاله قضايا هذه الورقة. ولن نُعْنىَ بالسيمياء في الاصطلاح اللساني الغربي الحديث، فذلك مجال آخر. وهو – علاوة على أننا لسنا مؤهلين للبحث فيه نظريا – ليس قصد هذا البحث أصالة، وإن كانت تربط بيننا وبينه صلة ما تبعا، هي صلة (العلامة) من حيث المفهوم الوجودي العام. ولذلك فسنبقى بعيدين عنه، قريبين منه؛ بما نمارسه من تطبيقات للنصوص الشرعية، في بيان دلالة المرأة الرمزية في الإسلام، على المستوى النفسي والجسمي.
ويرجع لفظ السيماء أو السيمياء في اللغة العربية إلى معنى العلامة، أو الرمز، الموضوع للتخاطب قصدا. وهو يستعمل – كما ذكرت - بياء مفتوحة وممدودة بعد الميم المكسورة، فينطق (سِيمِيَاء)، ويستعمل بدونها فينطق (سِيمَاء)، وكلاهما في المعنى رديف صاحبه. يقول ابن فارس في مادة (وسم): (الواو والسين والميم: أَصْلٌ واحدٌ، يدل على أثَرٍ ومَعْلَمٍ. ووَسَمْتُ الشيءَ وَسْماً: أثَّرْتُ فيه بِسِمَة. والوَسْمَى: أول المطر؛ لأنه يَسِمُ الأرضَ بالنبات (...) وسمي مَوْسِمُ الحج موسما؛ لأنه مَعْلَمٌ يجتمع إليه الناس. وفلان مَوْسُومٌ بالخير. وفلانة ذات مِيسَمٍ: إذا كان عليها أثر الجمال. والوَسَامَةُ: الجمال (...) وقوله تعالى: "إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ" (الحجر:75): الناظرين في السِّمَةِ الدَّالَّة.)(السيماء والسيمياء: العلامة. قال الشاعر:
" له سِيمِيَاءٌ لا تشق على البصر "
وقال تعالى:
"سيماهم في وجوههم من أثر السجود"(الفتح:29)
، وقد سَوَّمْتُه أي: أعلمته. وقوله عز وجل في الملائكة:
"مُسَوَّمين" (آل عمران:125)
، أي: معلَّمين. و"مسوِّمين" معلِّمين لأنفسهم، أو لخيولهم، أو مُرسِلين لها، وروي عنه عليه السلام أنه قال: "تَسَوَّمُوا فإن الملائكة قد تَسَوَّمَتْ")(.
وجاء في مختار الصحاح: (السَّوْمَةُ بالضم: العلامة تجعل على الشاة، وفي الحرب أيضا. تقول منه تَسَوَّمَ. وفي الحديث "تسوموا فإن الملائكة قد تسومت". والخيلُ المُسَوَّمةُ: المرعية، والمسَوَّمَةُ أيضا: المعلَّمَةُ. وقوله تعالى: "مسوِّمين" قال الأخفش: يكون معلِّمين، ويكون مرسِلين، من قولك: سَوَّمَ فيها الخيل أي أرسلها. ومنه السَّائِمةُ (...) وقوله تعالى: "حجارةً من طين مسوَّمةً": أي عليها أمثال الخواتيم. والسِّيمَى مقصور من الواو، قال الله تعالى: "سيماهم في وجوههم" وقد يجيء السِّيمَاءُ و السِّيمِيَاءُ ممدودين)([3])
وقال ابن منظور: (السُّومَةُ والسِّيمةُ والسِّيماء والسِّيمِيَاءُ: العلامة. وسَوَّمَ الفرسَ: جعل عليه السِّيمة. وقوله عز وجل: "حجارةً من طينٍ مُسَوَّمَةً عند ربك للمُسْرفين"(الذاريات:34): قال الزجاج: روي عن الحسن أَنها مُعَلَّمة ببياض وحمرة، وقال غيره: مُسَوَّمة بعلامة يعلم بها أَنها ليست من حجارة الدنيا، ويعلم بسيماها أَنها مما عَذَّبَ اللهُ بها. [قال] الجوهري: مُسَوَّمة أَي عليها أَمثال الخواتيم (...) قال أَبو بكر: قولهم عليه سِيما حَسَنَةٌ معناه علامة، وهي مأخوذة من وَسَمْتُ أَسِمُ، قال: والأَصل في سيما وِسْمَى، فحُوِّلت الواو من موضع الفاء، فوضعت في موضع العين، كما قالوا ما أَطْيَبَهُ وأَيْطَبَه، فصار سِوْمى، وجعلت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها (...) وقيل: الخيل المُسَوَّمة: هي التي عليها السِّيما والسُّومةُ، وهي العلامة. وقال ابن الأَعرابي: السِّيَمُ: العلاماتُ على صُوف الغنم)(
وفي القاموس: (السِّيمَةُ والسِّيمَاءُ والسِّيمِيَاءُ، بكسرِهِنَّ: العَلامَةُ. وسَوَّمَ الفَرَسَ تَسْوِيماً: جَعَلَ عليه سِيمَةً).([5]).
والخلاصة: أن السِّيمِيَاء في اللغة، أو السِّيمَاء: هي العلامة، أو الرمز الدال على معنى مقصود؛ لربط تواصل ما. فهي إرسالية إشارية للتخاطب بين جهتين أو أكثر. فلا صدفة فيها ولا اعتباط.
المقاييس: (وسم).
المفردات في: (سام). والحديث الذي أورده الأصفهاني هو عن عمير بن إسحق قال: إن أول ما كان الصوف ليوم بدر. قال رسول اللهe: (تسوموا فإن الملائكة قد تسومت، فهو أول يوم وضع الصوف) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه وابن جرير الطبري في تفسيره: 4/82. قلت: وهو ضعيف فعمير تابعي وفيه جهالة وقد أرسل الحديث!
مختار الصحاح: (سوم).
اللسان: (سوم).
القاموس: (سوم)