استحالة الصفات الإلهية


هيا محمد عيد

المقال مترجم الى : English
الإيمان بالغيب يمثل القاعدة الأساس للإيمان كله؛ ذات الله عز وجل تختلف تمامًا عن كل الموجودات والمخلوقات والظواهر، فالله خارج عالم الطبيعة والمادة. هو من أوجدها من العدم، وهو السبب في استمرارها، وهو الذي يسيطر عليها ويضبطها وحده بلا شريك أو معين.

نقطة الجدل الرئيسية للإلحاد ضد وجود الله عز وجل ترتكز على السؤال التالي: كيف يمكن الاعتقاد في إله عظيم، متفرد، متعال، لا يمكن إدراك كنهه أو فهم ذاته، إله غير مرئي، لا محدود، خارج نطاق علم البشر مهما بلغ.

الإيمان بالغيب يمثل القاعدة الأساس للإيمان كله؛ فذات الله عز وجل تختلف تمامًا عن كل الموجودات والمخلوقات والظواهر، فالله خارج عالم الطبيعة والمادة. هو من أوجدها من العدم، وهو السبب في استمرارها، وهو الذي يسيطر عليها ويضبطها وحده بلا شريك أو مُعِين. وهو بعيد كل البعد عن أي مقارنه يمكن أن يعقدها العقل البشري. فمستحيل على العقل البشري المحدود بحدود الزمان والمكان والقدرة أن يصل إلى معرفة ذات الله تعالى في الكنه والحقيقة (وهذا أمر غير مطلوب من البشر أصلًا)، ويتعامل معها تعاملًا مباشرًا من خلال الملاحظة، والرصد، والتحقيق، والبحث العلمي.

  • يقوم الإلحاد على العالم المادي المدرَك بالحواس؛ لذا فالواقع المادي يُمثِّل كل شيء عنده، فما يمكن إدراكه بالحواس وشرحه شرحًا علميًّا (بالرسوم البيانية والأرقام) هو وحده الحقيقي، وكل ما سواه محض خيال وخرافات. ولا يمكن أن تكون هناك مستويات للواقع أعلى من الفكر البشري أو أبعاد تتجاوز حدود العالم المادي.
  • ينسب الإلحاد خلق المخلوقات وتنظيم حركة الكون إلى الطبيعة والصدفة العشوائية المحضة، وليس إلى إله خالق، حكيم، مقتدر، ويرى أن البشر هم ذروة إنتاج الطبيعة وأكثر مصنوعاتها تعقيدًا. وبما أنه لا يمكن لشيء أن يتجاوز الطبيعة وقوانينها، فلا يوجد شيء في الوجود أعلى من البشر.
  • يقول الإلحاد أنه إذا كان الله تعالى خارج حدود عالم الطبيعة – أي فوق الطبيعة – وصفاته سامية وعالية، تَفُوق العقل والإدراك، فسيبقى إلى الأبد غير قابل للاكتشاف ولا يمكن للبشر التحقق من وجوده. وإذا كان موجودًا فعلًا، فيجب أن يكون جزءًا من الطبيعة والمادة، وله وجود مرئي مدعوم بأدلة تجريبية قابلة للقياس والملاحظة، وتكرار التجربة للتأكد من صحة النتائج (البيانات). وإذا كان خلاف ذلك، فهو غير موجود.
  • الأمر الذي يزيد استحالة فكرة وجود الله تعالى عند الملحدين هو صفاته الإلهية؛ فمن وجهة نظرهم أي شيء يدركه البشر له حدود، لكن صفات الله السرمدية (بلا أول ولا آخر)، والتي تصف ذاته الأزلية الأبدية وقدرته اللانهائية، ستظل دومًا خارج حدود البشر.
  • أو يعتقد الملحدون أن أي صفات ستفرض حدودًا، والحدود من شأنها أن تحد من قدرات الكائن الأسمى والأعظم. أو يرون أن الصفات المستخدمة للتعريف بالله الحق متعارضة مع نفسها، أو غير متسقة فيما بينها، أو تخلق تناقضات عندما تقترن بصفاته الأخرى.

 المسألة مسألة منطق

سُئل أعرابي: بِمَ عرفتَ ربك (كيف عرفت وجود الخالق

فقال: الأثر يدل على المسير، والبعرة تدل على البعير، فسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، وبحار ذات أمواج، ألا تدل على السميع البصير؟!

الكون يحمل بصمات تصميم ذكي محكم، لا تخطئه العين المجردة، يشير في جميع أرجائه إلى وجود خالق مبدع  

بصائر قرآنية

آية قرآنية واحدة تضع البشر أمام الحُجَّة الأقوى على حتمية وجود خالق لهم:

أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ

(الطور 52: 35)

....ولهذا الكون:

أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَّا يُوقِنُونَ

(الطور 52: 36)

أي شيء موجود لا بد أن يكون له خالق. حقيقة لا يمكن إنكارها، فالشيء لا يأتي من لا شيء. فما دام أن شيئًا ما موجود، وما دام الشيء لا يمكن أن يُوجِد نفسَهُ بنفسه، فلابد له من مُوجِد يُفسِّره.

وفق حسابات المنطق، البشر موجودون والسماوات والأرض موجودة أيضًا. البشر لم يخلقوا أنفسهم، ولم يخلقوا السماوات والأرض أو قوانين الطبيعة أو الظواهر الكونية المختلفة؛ لذا فلابد لهم جميعًا من خالق – خالق فرد صمد، غني بذاته غنًى مطلقًا؛ موجود بدون مُوجِد.

 

ذات الله عز وجل

  • معرفة الله تبارك وتعالى ليست مجالًا للتخمينات الشخصية أو الآراء الفردية؛ فالسبيل الوحيد في الإسلام لمعرفة الله رب العالمين المعرفة الحقة هو الوحي السماوي.
  • الطريق إذن لمعرفة الله هو الله ذاته. يصف الله نفسه فى كتابه العزيز بقوله:

    لَّا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ

    (الأنعام 6: 103)

    فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ

    (النحل 16: 74)

    لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ

    (الشورى 42 :11)

  • وفقًا للقرآن، كنه ذات الله تعالى تتجاوز طاقة إدراك الذهن البشري واستيعابه؛ فليس بمقدور الخيال البشري أن يتصور أو يتوهم الله عز وجل؛ فالتخيل عبارة عن أفكار تتشكل من أجزاء من الواقع، ولا يمكن للخيال البشري أن يتصور إلا من خلال ما يراه ويختبره في العالم المادي، أما الخالق عز وجل، فلا شيء من هذا العالم يكافئه، أو يماثله، أو يساويه، من قريب أو بعيد. يقول الله عز وجل واصفًا نفسه:

    وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ

    (الإخلاص4:112 ﴾

  • من البديهي أن يعجز عقل الإنسان عن معرفة من ليس كمثله شيء؛ لذا نهى النبي محمد صلى الله عليه وسلم عن التفكر في ذات الله وقال:

    تَفَكَّرُوا فِي خَلْقِ اللَّهِ وَلَا تَفَكَّرُوا فِي اللَّهِ فَتَهْلِكُوا

    (أخرجه أبو الشيخ الأصبهاني عن أبي ذر)

    . العقل البشري له حدود إدراكية وزمانية ومكانية لا يمكن أن يتخطاها؛ العقل يستطيع أن يعرف وجود الله، ولكنه يعجز عن معرفة ذاته جل وعلا؛ لأن الله أعلى من أن يحيط به العقل البشري المخلوق المحدود.
  • هذه المعرفة التامة لله مستحيلة، ولا يبقى أمام الإنسان إلا المعرفة النسبية من خلال أسمائه وصفاته سبحانه وتعالى التي وصف بها نفسه في القرآن الكريم، ومن خلال عجائب صنعه في الكون. فهذا الكون بجميع ما فيه من مخلوقات يعكس جلال الخالق عز وجل – وقدرته وعظمته من أصغر وُرَيْقَة عُشْب على الأرض الى أبعد نجمة في السماء.

قال الإمام الجليل أحمد بن حنبل: "مهما تصورتَ ببالك، فالله بخلاف ذلك".

السابق التالى

مقالات مرتبطة بـ استحالة الصفات الإلهية

معرفة الله | علم وعَملIt's a beautiful day