الحياء مغلاق لكل شر
الحياء هو الخلق الذي يحمل على ترك القبيح من الصفات والأفعال والأقوال، ويمنع من التقصير في حق الله المتفضل المنعم سبحانه. والدعوةُ إلى التخلق بالحياء وملازمته إنما هي دعوة إلى الامتناع عن كل معصية وشر، والإقبال على كل فضيلة وخير.
قال الفضيل بن عياض رحمه الله "من علامات الشقوة: القسوة في القلب، وجمود العين، وقلة الحياء، والرغبة في الدنيا، وطول الأمل".
وقال ابن حبان رحمه الله "فالواجب على العاقل لزوم الحياء، لأنه أصل العقل، وبذر الخير، وتركه أصل الجهل، وبذر الشر" اهـ.
وعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ البدري رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلاَمِ النُّبُوَّةِ الأُولَى: إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ ». أخرجه البخاري.
فالحياء - أيها المؤمنون - سياج منيع من الوقوع في المعاصي والمحرمات، وهو علامة حياة القلب. كما أن اقتراف القبائح والمنكرات دليل على موت القلب.
قال ابن القيم رحمه الله: الحياء مشتق من الحياة، فمن لا حياء فيه فهو ميت في الدنيا، شقي في الآخرة، وبين الذنوب وقلة الحياء وعدم الغيرة تلازم، فكل منهما يستدعي الآخر ويطلبه" اهـ.
لذا فإن الإنسان إذا تعرى من الحياء ولم يتخلق بخلق الحياء، فلا تسل عما سيقترفه من رذائل، ولا تعجب مما سيرتكبه من حماقات. فقليل الحياء لا يأبه بدنو همته، ولا يبالي بسفول قدره، ولا يجد ما يبعثه على التحلي بالفضائل، ولا ما يقصره عن الرذائل، فإنه إذا فقد حياءه سينطلق في تحصيل شهواته غير آبه بحق الله ولا بحق الناس، وسيهوي في دركات الحماقة والوقاحة، فلا تزال خطواته تقوده من سيئة إلى أخرى حتى يصير بذيئاً جافياً، منغمسا في قبائح الأفعال وسيء الأقوال.
أما الذي يستحي من الله فإنه إذا اعترضته شهوة أو فتنة، ردها بما رد به يوسف عليه السلام على امرأة العزيز ﴿ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ﴾ [يوسف: 23].
فما الذي جعل الكثير من الناس يتجرؤون على محارم الله وحدوده؟ إنه قلة الحياء، إنه غياب الحياء من الله عز وجل.
عن ثوبانَ عن النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّه قال: [[لأعلمنَّ أقوامًا من أمَّتي، يأتون يومَ القيامة بحَسَنات أمثال جِبال تِهامة بِيضًا، فيجعلها الله - عزَّ وجلَّ - هباءً منثورًا]]، قال ثوبان: يا رسولَ الله، صِفْهم لنا، جَلِّهِم لنا؛ ألاَّ نكونَ منهم ونحن لا نعلم، قال: [[أَمَا إنَّهم إخوانُكم، ومِن جلدتكم، ويأخذون مِنَ اللَّيْل كما تأخذون، ولكنَّهم أقوامٌ إذا خَلَوْا بِمحارم الله انتهكوها]]؛ صحيح ابن ماجه.
دخل أبو حامد الخلقاني على الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله فأنشده هذه الأبيات:
إذا ما قال لي ربي أما استحييت تعصيني
وتخفي الذنب من خلقي وبالعصيان تأتيني
فما قولي له لما يعاتبني ويقصيني
فأمره الإمام أحمد بإعادتها، فأعادها عليه، فدخل الإمام أحمد داره وجعل يرددها وهو يبكي.