حرية الاختيار والمسؤولية الأخلاقية
الإرادة الحرة هي إحدى ملكات العقل والروح، من خلالها يستطيع الإنسان التمييز، واختيار الصواب من الخطأ والخير من الشر.
· يوضح الدين الإسلامي أنه لكي يتمكن البشر من خوض اختبار الحياة بحرية تامة، فقد منحهم الله الإرادة الحرة كقدرة دائمة متأصلة في طبيعتهم المكونة من إمكانيات بدنية وعقلية وعاطفية وروحية.
· اختيارات البشر خلال الحياة الدنيا ليست قسرية أو محددة سلفًا، لكن مع ذلك لا يملك البشر الاختيار في المسائل الخارجة عن نطاق الاختيار أصلًا، مثل الوالدين والهوية والجنس والتركيب الوراثي وجوانب أخرى معينة في حياة الإنسان قُدرت له قبل أن يولد. هذا على عكس الاختيارات الأخلاقية، فقد تركت حرة وغير محددة سلفًا، وتشمل جميع جوانب الحياة التي يترتب عليها ثواب أو عقاب؛ كلها أمور ليست محكومة بالقدر ويختارها كل إنسان عن إرادة كاملة وحرة حقًا.
· مشيئة الإنسان ليست أكبر من مشيئة الله تعالى ولا تتعارض معها، بل الإنسان يتصرف وفقًا لمشيئة الله الذي أراد للبشر أن يمارسوا حرية الاختيار في مسائل العقيدة والأعمال والأخلاق، وهو المراد بقوله تعالى:
وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ
(يونس 10: 99)
· بالتالي، فإن قدر الله عز وجل وإرادة الإنسان الحرة أمران حقيقيان لا يستبعد أحدهما الآخر. هما قائمان في الحياة يعملان بشكل متزامن دون أن ينفي وجود أحدهما الآخر. على سبيل الإيضاح، الموت الذي سيأتي في أي لحظة هو مصير كل إنسان، أما فعل الخير أو الشر، والسير في طريق الحق أو الباطل فهذا من صميم الاختيار الحر لكل إنسان.
· البشر يختاروا كما يشاؤون في الحياة الدنيا، لكن الله عز وجل هو من يحدد عواقب ونهايات تلك الاختيارات. البشر أحرار في الاختيار، لكنهم ليسوا أحرارا من المسؤولية عن عواقب وتبعات اختياراتهم ونتائج حياتهم. فمحصلة كل عمل يقومون به تحددها مشيئة الله سبحانه وتعالى .
· سواء اختار البشر قبول الإيمان بالله تعالى أو رفضوا الإيمان به، فإنهم يظلوا، مثلهم مثل سائر الكون، خاضعين لقانون الله المهيمن على الوجود كله. المؤمن يخضع بمحض إرادته، وعن طيب خاطر، في الأمور التي للإنسان فيها اختيار (مثل الإيمان والكفر، والصواب والخطأ، والحق والباطل) وكذلك في الأمور التي ليس للإنسان فيها اختيار (مثل الولادة والموت)، بينما الكافر يخضع مرغمًا في الأمور الخارجة عن نطاق الاختيار الإنساني والإرادة الحرة.
· قدرة الإنسان على ممارسة حرية الإرادة ليست لأجل غير مسمى أو مطلقة وغير قابلة للمساءلة. إنها مقيدة بحتمية الموت والأمد المحدود لحياة الإنسان على الأرض. وسيتبع ذلك العودة الحتمية لكل إنسان إلى الله سبحانه وتعالى والمسائلة أمامه عن الاختيارات التي اتخذها بمحض إرادته أثناء حياته.