كيف يكون الحياء من الله
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قال: قال رَسُولُ اللَّهِ: «اسْتَحْيُوا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الحَيَاءِ». قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا نَسْتَحْيِي وَالحَمْدُ لِلَّهِ، قَالَ: «لَيْسَ ذَاكَ، وَلَكِنَّ الِاسْتِحْيَاءَ مِنَ اللَّهِ حَقَّ الحَيَاءِ؛ أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى، وَالبَطْنَ وَمَا حَوَى، وَلْتَذْكُرِ المَوْتَ وَالبِلَى، وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ اسْتَحْيَا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الحَيَاءِ» أخرجه أحمد والترمذي والطبراني والحاكم، وصححه الذهبي، وحسنه الألباني.
حق الحياء من الله أن تحفظ الرأس وما وعاه؛ فلا تضع رأسك لغير الله ساجدا، ولا ترفعه على عباد الله تكبرا، وأن تحفظ ما وعاه الرأس من النعم؛ كالفم، واللسان، والعين، والأذن.
حق الحياء من الله أن تحفظ البطن وما حوى؛ وحفظه يكون باجتناب أكل الحرام وما فيه شبهة، وأما ما حواه البطن فيكون حفظه بحفظ الفرج من الوطء الحرام، والنظر الحرام، واللمس الحرام، وحفظ الرجلين من السعي بهما إلى الحرام، وحفظ اليدين من البطش بهما فيما حرمه الله.
حق الحياء من الله أن تذكر الموت، لأن من ذكر أن عظامه ستصير بالية، وأعضاءه ممزقة، هان عليه ما فاته من اللذات العاجلة، وأهمه ما يلزم من طلب الآجلة، وعمل على إجلال الله وتعظيمه.
حق الحياء من الله ألا تنشغل بالدنيا عن الآخرة "ومن أراد الآخرة - أي الفوز بنعيمها - ترك زينة الدنيا". فالمسلم يستحيي من الله عز وجل أن يراه مرابطاً على مفسدة، مقيماً على جيفة، عاكفاً على دنيا لا تساوي عند الله جناح بعوضه.
فهل الَّذي يأكل أموالَ النَّاس بالباطل، ويَملأ بطنَه وبطن عِياله بالحرام يستحْيِي من الله؟!
وهل الَّذي يشرَب الخمر، ويرتكب المنكرات يستحْيي من الله؟!
وهل الَّذي يقع في أعراضِ النَّاس غِيبةً ونميمةً، وسبًّا وشتمًا، يستحْيي من الله؟!
وهل الَّتي تخرج إلى الشَّوارع متعطِّرة متهتِّكة، مائلة مُميلة، تستحْيي من الله؟!
فهل استحيا من الله حق الحياء من أنعم الله عليه بالصحة والمال والأولاد والحياة الرغيدة، ثم هو لا يعرف لله قدراً بأن يشكر نعمته عليه بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، فيدعوه داعي الفلاح في اليوم خمس مرات ثم هو لا يستحيي ولا يستجيب؟.
وهل استحيا من الله حق الحياء رجال ونساء يجاهرون بمعصية الله ليل نهار في الطرقات وفي مجامع الناس والحفلات والأفراح، فيقابلون نعم الله بمعصيته بلا حياء منه سبحانه ولا حياء من خلقه؟.
وهل استحيا من الله حق الحياء من يدمن على مشاهدة الفضائح على الفضائيات التي ما عادت تخدش الحياء فقط وإنما تميته وتقتله. ينظر إليها هو وبناته وأبناؤه؟.
وهل استحيا من الله حق الحياء من أنعم الله عليه بالمال الكثير ينفقه يميناً وشمالاً في شهواته، ثم حين يدعى للإنفاق في سبيل الله يبخل؟ {ومن يبخل فإنما يبخل على نفسه}.
وهل استحيا من الله حق الحياء ذاك الذي شغف بالأغاني الماجنة يزعج الناس في طرقاتهم ومنازلهم؟ أو ذاك المدخن الذي يدخن في مجامع الناس ينفث الدخان في وجوههم؟ أو ذاك الذي ضيع أبناءه بلا تربية ولا خلق، يسيحون في الأرض يؤذون المسلمين؟.
إن الذي حمل هؤلاء وغيرهم على النزول إلى هذه المستويات الهابطة من الأخلاق، هو ذهاب الحياء. وصدق رسول الله: [[إذا لم تستح فاصنع ما شئت]].
فلنعد إلى الحياء، ولنرَبّ أنفسنا وأهلنا على الحياء. فما أجمل العودة إلى الحياء، وما أجمل التخلق بخلق الحياء، إنه السبيل إلى السعادة في الدنيا والآخرة..