الاجتهاد في العبادة
لا يجتهد المؤمن في العبادة لأن غيره سيندم، أو لا يندم ، ولا يراعي غيره أصلا ، ولا حاله ، ولا مآله ، في مسيره إلى رب العالمين ؛ وإنما العبد : همه : نفسه ، وهِمَّته : رضا به .
وهو إنما يجتهد في سيره إلى رب العالمين، لأسباب أعظمها:
1-التقرب إلى الله تعالى والقيام بحق العبودية.
2-الشكر لله تعالى على نعمه التي لا تعد ولا تحصى، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم من الليل حتى تتورم قدماه، كما قال المُغِيرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،: " إِنْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيَقُومُ لِيُصَلِّيَ حَتَّى تَرِمُ قَدَمَاهُ - أَوْ سَاقَاهُ - فَيُقَالُ لَهُ فَيَقُولُ: (أَفَلاَ أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا)" رواه البخاري (1130)، ومسلم (2819).
3-الرغبة في تحصيل الدرجات العُلا، فإن المجال مجال منافسة عظيمة، وصاحب الهمة العالية لا يرضى لنفسه النقص. قال تعالى: (وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ) العلق/19 ، وقال: (إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (22) عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ (23) تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (24) يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (25) خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ) المطففين/22- 26 ، وقال: (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا) الإسراء/79.
وروى البخاري (3256)، ومسلم (2831) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: (إِنَّ أَهْلَ الجَنَّةِ يَتَرَاءَوْنَ أَهْلَ الغُرَفِ مِنْ فَوْقِهِمْ، كَمَا يَتَرَاءَوْنَ الكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ الغَابِرَ فِي الأُفُقِ، مِنَ المَشْرِقِ أَوِ المَغْرِبِ، لِتَفَاضُلِ مَا بَيْنَهُمْ» .
قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ تِلْكَ مَنَازِلُ الأَنْبِيَاءِ لاَ يَبْلُغُهَا غَيْرُهُمْ، قَالَ: «بَلَى وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، رِجَالٌ آمَنُوا بِاللَّهِ وَصَدَّقُوا المُرْسَلِينَ).
وروى أبو داود (1464)، والترمذي (2914) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ: اقْرَأْ، وَارْتَقِ، وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا، فَإِنَّ مَنْزِلَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَؤُهَا ) والحديث صححه الألباني في "صحيح أبي داود".
4-الطمع في مرافقة النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة. وقد روى مسلم (489) عن رَبِيعَةَ بْنِ كَعْبٍ الْأَسْلَمِيِّ، قَالَ:" كُنْتُ أَبِيتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَيْتُهُ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ فَقَالَ لِي: (سَلْ) فَقُلْتُ: أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ. قَالَ: (أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ) قُلْتُ: هُوَ ذَاكَ. قَالَ: (فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ)".
وروى مسلم (488) عن مَعْدَان بْن أَبِي طَلْحَةَ الْيَعْمَرِيّ، قَالَ: "لَقِيتُ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ أَعْمَلُهُ يُدْخِلُنِي اللهُ بِهِ الْجَنَّةَ؟ أَوْ قَالَ قُلْتُ: بِأَحَبِّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللهِ، فَسَكَتَ. ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَسَكَتَ. ثُمَّ سَأَلْتُهُ الثَّالِثَةَ فَقَالَ: سَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: (عَلَيْكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ لِلَّهِ، فَإِنَّكَ لَا تَسْجُدُ لِلَّهِ سَجْدَةً، إِلَّا رَفَعَكَ اللهُ بِهَا دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنْكَ بِهَا خَطِيئَةً) ".
قَالَ مَعْدَانُ: ثُمَّ لَقِيتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ ، فَسَأَلْتُهُ ، فَقَالَ لِي: مِثْلَ مَا قَالَ لِي: ثَوْبَانُ" .
وروى البخاري (5304) عَنْ سَهْلٍ، قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَأَنَا وَكَافِلُ اليَتِيمِ فِي الجَنَّةِ هَكَذَا) وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالوُسْطَى، وَفَرَّجَ بَيْنَهُمَا شَيْئًا. ورواه مسلم (2983) من حديث أبي هريرة.
فلهذا وغيره شمر المشمرون، واجتهد المجتهدون، والله لا يضيع أجر من أحسن عملا.