إلغاؤه لشريعة موسى عليه السلام، ودعواه أن الإنسان ينجو بالإيمان المجرَّد بدون عمل.
ألغى بولس شريعة موسى عليه السلام، وفي هذا يقول في رسالته إلى رومية (2/16): (إذ نعلم أن الإنسان لا يتبرر بأعمال الناموس، بل بإيمان يسوع المسيح آمنا نحن أيضاً بيسوع المسيح لنتبرر بإيمان يسوع لا بأعمال الناموس؛ لأنه بأعمال الناموس لا يتبرر جسد ما..... فما أحياه الآن في الجسد فإنما أحياه في الإيمان، إيمان ابن الله الذي أحبَّني وأسلم نفسه لأجلي، لست أبطل نعمة الله؛ لأنه إن كان بالناموس بر فالمسيح إذاً مات بلا سبب).
ومما يجدر ذكره أن بولس لما وسع نطاق دعوة المسيح عليه السلام لتشمل جميع الناس واجه عقبة كؤود، وهي عدم قبول الوثنيين للشرائع الموسوية، وتصوَّر أنه لا يمكن أن تنجح الدعوة بينهم مع وجود الشريعة، فقرَّر إلغاءها، ويذكر سفر أعمال الرسل أن هذا أولاً تمَّ بمطالبة من بولس ودعوة منه، ثم قبله بعد ووافق عليه سائر التلاميذ، وقرروا أن لا يلزم الناس بشيء من الأمور الواجبة عند بني إسرائيل سوى الامتناع عن الذبح للأصنام، وعن أكل الدم، والمخنوق، والامتناع عن الزنا.
وإلغاء بولس للعمل بشريعة موسى عليه السلام خلاف ما أكَّده المسيح عليه السلام ودعا إليه، فقد ورد في (إنجيل متى) (5/17) أنه قال: ( لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء ما جئت لأنقض بل لأكمل. فإن الحقَّ أقول لكم إلى أن تزول السماء والأرض لا يزول حرف واحد أو نقطة من الناموس حتى يكون الكلُّ، فمن نقض إحدى هذه الوصايا الصغرى، وعلم الناس هكذا يدعى أصغر في ملكوت السموات، وأما من عمل وعلم، فهذا يُدعَى عظيماً في ملكوت السموات. فإني أقول لكم: إن لم يزد بركم على الكتبة والفريسيين لن تدخلوا ملكوت السموات).
فهذه تأكيدات واضحة من المسيح على التزام شريعة موسى عليه السلام وتحريم الخروج عليها. فإلغاء العمل بشريعة موسى هو في الحقيقة هدم لديانة المسيح تماماً؛ لأن مما هو ظاهر من دعوة المسيح عليه السلام أنه لم يأت بتعاليم جديدة تذكر، وإنما ركَّز تركيزاً خاصًّا على التوبة والتخلص من الخطايا.
وهذا لا شك مع التزام الشريعة السابقة، فإذا ألغيت الشريعة بقيت دعوة المسيح عليه السلام دعوة عامة للتوبة والصلاح بدون أعمال يتوصل الإنسان من خلالها إلى تهذيب نفسه وتزكيتها، وهذا ما آل إليه أمر ديانة المسيح عليه السلام بسبب دعوة بولس الذي نشط بعد ذلك في بيان بطلان شريعة موسى عليه السلام وَوَجْهِ إلغائها، وتكرَّر هذا الأمر في أغلب رسائله، وهو من أهمِّ ما يميز دعوته، مع أنه لا يملك دليلاً واحداً يبيح له مثل هذا العمل، الذي يعتبر كفراً بالديانة ونقضاً لها من أساسها.
كما يُعتبر بكل المعايير فشلاً في الدعوة، وليس نجاحاً كما يظن النصارى؛ لأن النجاح في الدعوة هو أن تنجح في الدعوة إلى كامل المنهج الذي تدعو إليه بأصوله وفروعه، أما تغييره أو الاكتفاء بجزء شكلي منه، فلاشك أن ذلك فشل كبير.