عندما لا يجد الإنسان من يشكره
يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ
(الإنفطار 82: 6-7)
يتساءل القرآن مستنكرًا: في أي أجزاء الحياة، وبأي الوسائل، يعيش البشر معتمدين كليًّا على قواهم عندما يمتنعون عن الإقرار بأن الله هو رازقهم، وواهبهم جميع تلك النعم والقدرات التي بسببها يستكبرون عن الحق وهم يرونه، ويشعرون بالاستغناء والاستعلاء وعدم الحاجة؟!
حتمًا، في وقت ما خلال اليوم، يشعر كل إنسان بالعطش والجوع والتعب. وفي اللحظة التي تفضح تلك الاحتياجات الأساسية لكل إنسان بوضوح حقيقةَ عجزه واحتياجه ومحدوديته وكذب استغنائه بنفسه؛ فإنها تشده شدًّا نحو القوة (العلية) الموجودة خارج نفسه؛ القوة التي تسد احتياجاته بسخاء، دون توقف، وبلا حدود.
يوم واحد بدون طعام أو نوم له آثار سلبية عميقة على جسم الإنسان؛ وحاجـة الإنســان ليست محصورة فقط فــي المتطلبـات الجسدية من مطعم ومشرب ومسكـن وملـبس، وإنما له احتياجات روحية بنفس القوة. فمهما كان نوع التجربة التي يخوضها الإنسان، سواء أكان حزنًا أو فشلًا أو خسارة أو سعادة أو مكسبًا أو نجاحًا، فإنه سيظل دائمًا بحاجة إلى الله عز وجل، بنفس القدر، من أجل الحصول على المدد النفسي والطاقة الداخلية، وهذا الشعور الغامض بالرضا والراحة. ويشير الكاتب والفيلسوف الإنجليزي غلبرت كايث تشيسترتون (Gilbert Keith Chesterton)، بمرارة، إلى هذا الاحتياج النفسي الشديد، بكلمته الصادقة: "إن من أسوء لحظات الملحد، تلك اللحظة التي يشعر فيها بالامتنان؛ فلا يجد من يشكره".