النداء ليس كله دعاء
النداء ليس كله دعاء، بل يكون لأغراض كثيرة، منها التوجع، والتحسر، والإغراء، والندبة، والخطاب الذي لا يراد منه طلب شيء من المخاطب، كما في مخاطبة الشعراء للجماد والسحاب وغير ذلك. وينظر: جواب السؤال رقم : (237968).
والندبة: هي نداء، المتفجع عليه أو المتوجع منه ، كقول الإنسان: وإسلاماه، واعمراه، وامعتصماه، واصلاح الدين، فهذا يرد منه التوجع لفقد هذا الإنسان، لا يراد منه طلب جلب نفع منه أو دفع ضر، ولا أنه يسمع الصوت فيجيب.
وفي "المعجم الوسيط" (2/ 910): " (الندبة) (فِي النَّحْو) النداء ب (وَا) مثل وامعتصماه" انتهى.
والغرض من الندبة هو الإعلام بعظمة المندوب، وإظهار أهميته، أو شدته، أو العجز عن احتمال ما به، أو التحسر على ذهابه وخسارة مثله، وتمني مجيء مثله.
ومنه قول فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم: وا أبتاه أو يا أبتاه أجاب ربا دعاه.
روى الحاكم (4768) عن علي رضي الله عنه أن فاطمة رضي الله عنها : " لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت تقول: وا أبتاه مِن ربه ما أدناه، وا أبتاه جنان الخلد مأواه، وا أبتاه ربه يكرمه إذا أتاه، وا أبتاه الرب ورسله يسلم عليه حين يلقاه".
وروى البخاري (4462) عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: " لَمَّا ثَقُلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ يَتَغَشَّاهُ، فَقَالَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلاَمُ: وَا كَرْبَ أَبَاهُ، فَقَالَ لَهَا: (لَيْسَ عَلَى أَبِيكِ كَرْبٌ بَعْدَ اليَوْمِ)، فَلَمَّا مَاتَ قَالَتْ: يَا أَبَتَاهُ، أَجَابَ رَبًّا دَعَاهُ، يَا أَبَتَاهْ، مَنْ جَنَّةُ الفِرْدَوْسِ، مَأْوَاهْ يَا أَبَتَاهْ إِلَى جِبْرِيلَ نَنْعَاهْ ".
فليس في هذا دعاء وطلب، وإنما هو ندبة وتوجع.
وكذلك قول المرأة: وامعتصماه، هو توجع منها لعدم وجود المعتصم، لا أنها تدعوه وتطلب منه، وهذا بخلاف المستغيث، فإنه يقصد الطلب من المستغاث به.
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: "ما حكم قول المرأة في عمورية : وامعتصماه؟
فأجاب: "هذا توجع؛ ما هو باستغاثة، توجع وندبة، هذا إن صح، توجع لخلو الزمان من مثل المعتصم، توجع لخلو الزمان من إمام ينصر الحق" انتهى من "شرح كتاب التوحيد"، شريط رقم 4 الوجه أ
وسئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: "فضيلة الشيخ وفقكم الله، المرأة المسلمة التي ورد ذكرها في التاريخ وهي أنها قد صاحت فقالت : وامعتصماه ،هل يعتبر ذلك من دعاء الغائبين وهل يكون حجة للمخالفين ؟
فأجاب: " هذه ندبة ، هذه ندبة ، وهذه ما هي بحجة ! امرأة قالت : وامعتصماه يصير دليلا على هدم التوحيد !! ما هو بصحيح هذا!" انتهى من "فتاوى الفوزان".