موعظة الإمام الأوزاعي


الشيخ صالح أحمد الشامي

وقد بلغني يا أمير المؤمنين! أن جبريل عليه السلام، أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أتيتك حين أمر الله عز وجل بمنافيح النار فوضعت على النار، تسعر ليوم القيامة.

فقال له: يا جبريل! صف لي النار.

فقال: إن الله أمر بها، فأوقدت ألف عام حتى احمرت، ثم أوقد عليها عليها ألف عام حتى اصفرت، ثم أوقد عليها ألف عام حتى اسودت، فهي سوداء مظلمة، لا يضيء لهبها ولا جمرها، والذي بعثك بالحق. لو أن ثوباً من ثياب أهل النار أظهر لأهل الأرض لماتوا جميعاً، ولو أو ذنوباً من شرابها ضُبَّ على ماء الأرض لقتل من ذاقه، ولو أن ذراعاً من السلسلة التي ذمر الله تعالى وضغ على جبال الأرض جميعاً لذابت وما استقرت. ولو أن رجلاً دخل النار ثم أخرج منها، لمات أهل الأرض من نتن ريحه، وتشويه خلقه وعظمه. 

فبكى النبي صلى الله عليه وسلم، وبكى جبريل لبكائه، فقال: أتبكي يا محمد، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ 

قال: أفلا أكون عبداً شكوراً؟ ولِمَ بكيت يا جبريل وأنت الروح الأمين، امين الله على وحيه؟ 

قال: أخاف أن ابتلى بما ابتلي به هاروت وماروت، فهو الذي منعني من اتكالي على منزلتي عند ربي، فأكون قد أمنت مكره. 

فلم يزالا يبكيان حتى نوديا من السماء: أن يا جبريل، ويا محمد، إن الله تعالى قد أمنكما أن تعصياه فيعذبكما. 

ففضل محمد على الأنبياء كفضل جبريل على ملائكة السماء كلهم. 

وقد بلغني يا أمير المؤمنين! أن عمر بن الخطاب قال: اللهم إن كنت تعلم أني أبالي إذا قعد الخصمان بين يدي على من قال الحق من قريب أو بعيد، فلا تمهلني طرفة عين. 

يا أمير المؤمنين! إن أشد الشدة القيام لله بحقه، وإن أكرم الكرم عند الله التقوى. أنه من طلب العز بطاعة الله رفعه الله، ومن طلبه بمعصيته أذله الله ووضعه. 

هذه نصيحتي والسلام عليك.

ثم نهضت فقال لي: إلى أين؟

فقلت: إلى البلد والوطن، بإذن أمير المؤمنين، إن شاء الله. 

فقال: قد أذنت وشكرت لك نصيحتك. . فلا تخلني من مطالعتك إياي بمثلها، فإنك المقبول غير المتهم في النصحية.

قلت: أفعل إن شاء الله.

قال مصعب بن محمد: فأمر له بال يستعين به على خروجه، فلم يقبله وقال: أنا في غنى عنه، وما كنت لأبيع نصيحتي بعرض من الدنيا كلها. 

وعرف المنصور مذهبه، فلم يجد عليه في رده (1).


المراجع

  1.  الظِلْفُ: شدة المعيشة؛ أي: أخذ نفسه بخشونة العيش، وحاسبها.
  2.  "تهذيب حلية الأولياء" (2/ 285- 290).  أقول:
    جميل أن يطلب الحاكم النصيحة. وجميل أن يحسن العالم اختيار ما ينصح به. وجميل أن يعرف الحالكم العالم الناصح - فيكون غير متهم عنده - ويميزه عن المتسكعين على أبوابه. وجميل - بل واجب - أن يكون العالم عزيز النفس، فلا تمتد يده للحاكم. فإذا فعل فلن يكون لكلمته أثر.


السابق التالى

مقالات مرتبطة بـ موعظة الإمام الأوزاعي

  • شهادات

    الشيخ صالح أحمد الشامي

    شهادات (1)قال عبدالرحمن بن مهدي: ما كان بالشام أحدُ أعلم بالسنة من الأوزاعي. قال سفيان بن عيينة: كان الأوزاعي إمام

    16/01/2021 908
  • وفاته وتركته

    الشيخ صالح أحمد الشامي

    قال عقبة بن علقمة: آخر ما سمعت من الأوزاعي، أنا جلسنا إليه ليلة هلك فيها من الغد، إذ أذن المؤذن، وكان مؤذناً حسن

    16/01/2021 923
  • الرسائل

    الشيخ صالح أحمد الشامي

    تمهيد: هذه نماذج من رسائل الإمام الأوزاعي الكثيرة، التي كانت تعبيراً عن النشاط الاجتماعي لهذا الإمام وهي في مجالات

    30/01/2021 1102
معرفة الله | علم وعَملIt's a beautiful day