الأدلة النقلية الدلائل الثلاثه الاولي


ماجد بن سليمان

وتَتَضمَّن الأَدِلَّةَ مِنَ الْعَهْد الْقَدِيم والْجَدِيد عَلَى بُطْلان مَقُولة: (إنَّ الْمَسِيح رَبٌّ)، وعَدَدُ هَذِه الأَدِلَّة أحَدَ عَشَر:

(1)

كَيْف يَصِحُّ أنْ يُقَال: إنَّ الْمَسِيح هُو الرَّبُّ أو ابنُ الرَّبِّ مَعَ أنَّه لا تُوجَد عِبارةٌ وَاحِدةٌ صَريحَةٌ في أيٍّ مِنَ الأنَاجِيلِ الأَرْبَعة ولا في الرَّسَائِل الثَّلاثة والعِشْرِين الْمُلْحَقة بِهَا تَنُصُّ عَلى أنَّ الْمَسِيح قَالَ عنْ نَفْسِه بِعِبَارةٍ صَريحةٍ: إنَّه ابنُ الرَّبِّ، أو الربُّ، أوْ إنَّه اللهُ، أو ابنُ اللهِ (بُـنُـوَّةَ نَسَبٍ وولادَةٍ)، أوْ أِنَّه جُزءٌ مِنَ اللهِ، أوْ أِنَّ ذَاتَه هِي ذَاتُ اللهِ، وأِنَّ فِعْلَه فِعْلُه، أوْ أِنَّ مَشِيئتَه مُسَاويةٌ لِمَشِيئة الرَّبِّ، أوْ أِنَّه خَالِقٌ، أوْ رَازِقٌ، أو أِن له شِركةٌ مع الله في شيءٍ من صفاته. (تَعَالى اللهُ عنْ ذَلِك عُلُوًّا كَبيرًا).


نَعَمْ، لوْ كَان الْمَسِيحُ إلـٰهًا وربًّا وخَالِقًا ورَازِقًا لاسْتَفَاضَ ذِكرُ ذَلِك في الأَنَاجِيل، لأنَّه أمرٌ مُتَعلِّقٌ بِأُصُول الْعَقِيدة، فَلمَّا لمْ يَدَّع لِنَفْسِه شَيئًا مِنْ ذَلِك فَإِنَّه لا يَصِحُّ أنْ يُوصَف بِهَذَا، فَهُو أَدْرَى بِنَفْسِه مِنْ غَيْره.


والْمُتَأمِّل في الأَنَاجِيل بِحِيَادِيَّةٍ وإنْصَافٍ يجِد فِيها كلامًا عنِ الْمَسِيح يُنَاقِض وصْفَه بِالرُّبوبِيَّة والأُلُوهِيَّة تمامًا، فَقَدْ جَاءَ فِيهَا أنَّه عَبْدٌ للهِ، يُصَلِّي لهُ، وأنَّه لا مَشِيئة لَه مَعَ مَشِيئَةِ اللهِ، كَمَا يَجِدُ الْمُتَأَمِّل فِيهَا أنَّ الْمَسِيح أَظْهَرَ في كَلامِه الضَّعْفَ والعَجْزَ والْخَوْفَ، وأَنَّهُ بشرٌ، وأنه عَبدُ الله ورَسُولُه، وسيأتي قريبا ذكر أدلةٍ إنجيلية كثيرة على ذلك.


ثُمَّ لو كان المَسِيح هو الله أو ابن الله، أو الرب أو ابن الرب؛ لدَعا النَّاس إلى عِبادة نفسه، ولَـــوَرَدَ عنه ذلك بكثرةٍ في الأناجيل، لأنَّ الرب يدعو النَّاس إلى عبادة نفسه، لأنَّه هُو ربهم الَّذي يخلقهم ويرزقهم ويُـميتهم ويحييهم، فيكون مستحقًّا لأن يُعبد، ولكن الواقع أنَّه لم يرِد عنه المَسيح ولا مرة واحدة بعبارة واضحة أنه دعا الناس إلى عبادة نفسه، بأن قال (اعبدوني)، وحاشاه أن يقول ذلك، وصدق الله إذ قال في القرآن العظيم في وصف أنبياءه الذين هم صفوة خلقه

﴿مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِّي مِن دُونِ اللَّهِ وَلَٰكِن كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ﴾

(، ومعنى الآية الكريمة: ما ينبغي لأحد من البشر أن يُنزِّل الله عليه كتابه ويجعله حكمًا بين خلقه ويختاره نبيًّا، ثم يقول للناس: (اعبدوني من دون الله)، بل النبي الصادق يدعو الناس إلى عبادة الله، ولا يتعدى على حقوق ربه ومولاه.


(2)

أَضِفْ إِلى ذَلِكَ أنَّه لا يُوجَدُ إثْبَاتٌ لِهَذِه الْمَقُولَة (مَقُولَة: إنَّ الْمَسِيحَ هُو اللهُ أو ابنُ اللهِ) لا في الْكُتبِ السَّابِقةِ للإِنْجِيلِ؛ كالتَّوْرَاةِ والزَّبُورِ, ولا في الْكِتَابِ الَّذِي جَاءَ بَعْد الإِنْجِيل؛ وهُو الْقُرْآن.

نَعَمْ أَيُّهَا القَارِئُ الْكَرِيم وأَيتُّهَا الْقَارِئَةُ الْكَرِيمة، فلَمْ تُبَشِّرِ التَّوْرَاةُ, ولا أَيُّ كِتَابٍ مِنَ السَّمَاءِ قَطُّ بِأَنَّ اللهَ سَيَنْزِلُ بِنَفْسِه مِنْ فَوْقِ سَبْع سَمَاوَاتِه لِيَكُونَ بَشَرًا يَمْشِي على الأَرْضِ، ويُخَاطِب النَّاسَ، ويَدْعُوهُم، ويَأْكُلَ ويَشْرَبَ مَعَهم، تَعالَى اللهُ عَنْ ذَلِك عُلوًّا كَبِيرًا، فَضْلًا عَنْ أَنْ يُهَانَ ويُصْفَعَ عَلى قَفَاه، ويُعَلَّقَ عَلَى خَشَبَةِ الصَّلْب، ويُبْصَقَ في وجْهِهِ، تَعَالى اللهُ أنْ يَكُونَ مَحَلًّا لِهَذِه النَّقَائصِ والإهانات، وتَعالى اللهُ أنْ يُمَكِّنَ أَعْدَاءَه مِنْ رَسُولِه ليُهِينُوا كَرَامَتَهُ.


 (3)

بَلْ عَلَى الْعَكْسِ مِنْ ذَلِكَ؛ فَقَدْ وَرَدَ في الْعَهْدَينِ الْقَدِيمِ والْجَدِيدِ مَا يَزِيدُ عَلَى ثَلاثِينَ نَصًّا تَدلُّ بِكُلِّ وُضُوحٍ عَلَى أنَّ الْمَسِيحَ لَهُ ذَاتٌ، وأنَّ اللهَ لَهُ ذَاتٌ أُخْرى، وأنَّ ذَاتَ الله مُنْفَصِلةٌ عَنْ ذَاتِ الْمَسِيحِ، مِمَّا يَدلُّ عَلَى أنَّ الْمَسِيحَ لَيْسَ هُو اللهَ ولا ابنَ اللهِ، ويَدلُّ -أيْضًا- عَلَى بُطْلانِ عَقِيدَة التَّجَسُّدِ وعَقِيدَةِ التَّثْلِيثِ، وهَذَا أوَانُ الشُّرُوعِ في ذِكْرِ هَذِه النُّصُوصِ:


نَصُوصُ الْعَهْدِ الْقَدِيمِ الَّتي تُقَرِّرُ أنَّ اللهَ وَاحِدٌ في ذَاتِه، وعَدَدُهَا خَمْسَةٌ وعِشْرُون

,1-  (سِفْرُ التَّثْنِية 6: 4):

«اسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ: الرَّبُّ إلـٰـهُـنَا رَبٌّ وَاحِدٌ».

وهَذَا النَّصُّ مَذْكُورٌ أيضا في الْعَهْدِ الْجَدِيدِ في «إنْجِيل مُرْقُص» (12/29)، ولفظه: «فأجابه يسوع: إن أول كل الوصايا: اسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ: الرَّبُّ إلـٰـهُـنَا رَبٌّ وَاحِدٌ».


والشَّاهدُ مِنْ هَذَا النَّصِّ هُو أنَّ الْمَسِيحَ لو كان ربًّا لقال: (الرَّبُّ هُو الْمَسِيح)، أوْ: (المسيح إلَـٰهُكم)، أوْ: (أنا ربكم وإلَـٰهُكم)، بَلْ قَالَ: (الرَّبُّ إلَـٰهُنَا)، فَهُو يَتَكَلَّم عَنْ ذَاتٍ غَير ذَاتِه تَمامًا، ويُقَرِّر أنَّ الله هو إلَـٰهُ الناسِ كلِّهم، وهذا يتضمن أنه هو نفسه يَعْبدُ اللهَ ويَتَّخِذُه إلـٰهًا، فَبَطَلتْ بِذَلِك مَقُولةُ: إنَّ الْمَسِيحَ هُو الإِلـٰهُ، وأنَّه دَعَا إلى عِبَادَةِ نَفْسِه أوْ عِبَادَةِ أُمِّهِ، حَاشَاه مِنْ ذَلِك، بَلْ دَعَا إلى عِبَادَةِ اللهِ وحْدَه لا شَرِيكَ لَهُ كَمَا فَعَلَ جَمَيعُ الرُّسُل.

,2-  (حِكْمَةُ سُلَيْمَان 13:12):

«إذْ لَيْسَ إلـٰهٌ إلَّا أَنْتَ الْمُعْتَني بِالْجَمِيع».


,3-  (الْمُلوك الثَّاني 19/ 15، 19):

«وصَلَّى حَزقيَّا أَمَامَ الرَّبِّ وقَالَ: أيُّها الرُّبُّ إلـٰهَ إسْرَائِيلَ الْجَالِس فَوْقَ الكَرُوبيم. أَنْتَ هُو الإلـٰهُ وحْدَك لِكُلِّ مَمَالِكِ الأَرْضِ. أَنْتَ صَنَعْتَ السَّمَاءَ والأَرْض.

والآنَ أيُّهَا الرَّبُّ إلـٰهنا، خَلِّصْنا مِنْ يَدِه(، فَتَعْلم مَمَالكُ الأَرْضِ كُلُّها أنَّكَ أَنْتَ الرَّبُّ الإلـٰهُ وحْدَك».


وهُو في (إشعياء 37: 16، 20).

,4-  (إشعياء 43: 11):

«أنَا أنَا الرَّبُّ، ولَيْسَ غَيْرِي مُخَلِّصٌ».


,5-  (إشعياء 44: 6، 8):

«هَكَذا يَقُولُ الرَّبُّ مَلِكُ إسْرَائِيلَ وفَادِيه، ربُّ الْجُنود: أنَا الأوَّلُ وأنَا الآخِرُ ولا إلـٰه غَيْري... لا تَرْتَعِبوا ولا تَرْتَاعُوا. أمَا أَعْلَمتُك مُنْذ القَدِيم وأَخْبَرْتُك؟ فَأَنْتُم شُهُودِي. هَلْ يُوجَد إلـٰهٌ غَيرِي ولا صَخْرة لا أَعْلَمُ بِهَا؟».


,6-  (إشعياء 9:46):

«اذْكُروا الأُوليات مُنْذ الْقَدِيم، لأنِّي أنَا اللهُ ولَيْسَ آخَر، الإلـٰه ولَيْس مِثْلي».


,7-  (إشعياء 8:42):

«أنَا الرَّبُّ هَذَا اسْمي، ومَجْدِي لا أُعْطِيه لآخَرَ، ولا تَسْبِيحِي للْمَنْحُوتَات».


,8-  وفي (إشعياء 45: 21-22) يَقولُ الرَّبُّ:

«ألَيْسَ أنَا الرَّبُّ ولا إلـٰه آخَـر غَيْرِي، إلـٰهٌ بَارٌّ ومُـخَـلِّـصٌ ليْسَ سِواي. الْتَفِتُوا إلَيَّ وأخْلِصُوا يَا جَمِيعَ أَقَاصِي الأَرْض، لأنِّي أنَا اللهُ ولَيْسَ آخَر».

قَوْلُه: (الْتَفِـتُوا إليَّ وأَخْلِصُوا)؛ أي: تَوجَّهُوا إِلَيَّ في عِبَادَتِكُم واجْعَلُوها خَالِصَةً لي، ولا تَعْبُدُوا غَيْرِي.


,9-  وفي (إشعياء 45 : 5 - 6) يَقُول الرَّبُّ:

«أنَا الرَّبُّ ولَيْسَ آخَر. لا إلـٰه سِواي. نَطَقْتُك وأَنْتَ لمْ تَعْرِفْني. لِكَي يَعْلَمُوا مِنْ مَشْرِق الشَّمْس ومِنْ مَغْرِبِهَا أنْ لَيْسَ غَيْري. أنَا الرَّبُّ ولَيْسَ آخَر».  

 

,10-  (إشعياء 64: 4):

«لمْ تَرَ عَينٌ إلـٰهًا غَيْرَك يَصْنَع لِمَن يَنْتَظِره».


,11-  (إشعياء 26: 13):

«أيُّهَا الرَّبُّ إلـٰهنا، قَدِ اسْتَولى عَلَينا سَادَةٌ سِواك، بِكَ وحْدَك نَذْكُر اسْمَك».


,12-  (إشعياء 45: 14):

«ولَكَ يَسْجِدون، إلَيْكَ يَتَضَرَّعُون قَائِلين فِيكَ وحْدَك: اللهُ ولَيْس آخَر».


,13-  (ملاخي 2: 10):

«ألَيْس أبٌ وَاحِدٌ لكلنا؟! ألَيْس إلـٰهٌ واحِدٌ خَلَقَنَا؟!».


,14-  (سيراخ 1: 8):

«واحدٌ هُو حَكِيمٌ، عَظِيمُ الْمَهَابة، جَالِسٌ عَلَى عَرْشِه».


,15-  وفي (أخْبَار الأَيَّام الثَّاني 6: 19) أنَّ النَّبيَّ سُلَيمانَ قَالَ وهُو يُنَاجِي رَبَّه:

«فَالْتَفِتْ إلى صَلاةِ عَبْدِك وإلى تَضَرُّعِه أيُّها الرَّبُّ إلـٰهي، واسْمَعِ الصُّرَاخَ والصَّلاةَ الَّتي يُصَلِّيهَا عَبْدُك أَمَامَك».


,16-  (نحميا 9: 6):

«أَنْتَ هُو الرَّبُّ وحْدَكَ، أَنْتَ صَنَعْتَ السَّمَاواتِ وسَمَاءَ السَّمَاواتِ وكُلَّ جُنْدِهَا، والأَرْضَ وكُلَّ مَا عَلَيْهَا، والْبِحَارَ وكُلَّ مَا فِيهَا، وأَنْتَ تُحْييهَا كُلَّهَا، وجُنْدُ السَّمَاء لَكَ يَسْجُدُ».


,17-  (سفر يشوع ابن سيراخ 36: 2):

«وأَلْقِ رُعْبَك عَلى جَمِيع الأُمَمِ الَّذينَ لمْ يَلْتَمِسُوكَ لِيَعْلَمُوا أنَّه لا إلَـٰه إلَّا أَنْتَ، ويُخْبِروا بِعَظَائِمِك».


,18-  (مزمور 86: 8-10):

«لا مِـثْلَ لَكَ بَين الآلِهَة يَا رَبِّ، ولا مِثْلَ أعْمَالِك. كُلُّ الأمَمِ الَّذِين صَنَعْتَهُمْ يَأْتُونَ ويَسْجِدُونَ أَمَامَك يَا رَبِّ، ويُمَجِّدُونَ اسْمَك، لأنَّك عَظِيمٌ أنْتَ وصَانِعُ عَجَائِب، أَنْتَ اللهُ وحَدَك».


,19-  (دانيال بالتتمة 3: 45):

«ولْيَعْلَمُوا أنَّك أَنْت الرَّبُّ الإلـٰهُ وحْدَك الْمَجِيد في كُلِّ الْمَسْكُونة».


,20-  (الملوك الأول 8: 60):

«لِيعْلمَ كُلُّ شُعوبِ الأَرْض أنَّ الرَّبَّ هُو اللهُ ولَيْس آخَـر».


,21-  (صموئيل الأول 2: 2):

«لَيْسَ قُدُّوسٌ مِثلَ الرَّبِّ، لأنَّه لَيْسَ غَيْركَ، ولَيْس صَخرةٌ مِثلَ إلـٰهَنَا».

أي: لَيْستِ الصُّخُورُ والتَّمَاثِيلُ الْمَنْحُوتةُ عَلَى أَشْكَال الْمُخْلوقين مِثلَ الرَّبِّ، فَالرَّبُّ هُو الْخَالِق والصُّخُورُ مَخْلوقةٌ، فَعِبَادَتُهَا بَاطلةٌ.


,22-  (صموئيل الثاني 7 : 22):

«لِذَلِك قَدْ عَظُمتَ أيُّها الرَّبُّ الإلـٰه لأنَّه لَيْس مِثْلكَ, ولَيْس إلـٰهٌ غَيرَك حَسَبَ كُلِّ مَا سَمِعْنَاه بِآذَانِنا».


,23-  (أستير بالتتمة 14: 19):

«الإلـٰهُ القَديرُ عَلى الْجَميعِ، فَاسْتَجِبْ لأصْواتِ الَّذينَ لَيْسَ لَهُم رَجاءٌ غَيْرَكَ، ونـجِّـنا مِن أَيدِي الأُثماء، وأَنْقِذني مِن مَخَافَتي».


,24-  (مزمور 16: 2):

«قُلتُ للرَّبِّ:أنتَ سَيدِي، خَـيْـرِي، لا شَيءَ غَيْرُك».


,25-  وفي (سفر دانيال بالتتمة 40:14):

«فَهَتَفَ بِصَوتٍ عَالٍ, وقَالَ: عَظِيمٌ أنتَ أيُّهَا الرَّبُّ، إلـٰهُ دَانِيالَ ولا إلـٰهَ غَيْرُك».

 خلاصة

كل هذه النصوص من العهد القديم (التوراة) تقرر شيئًا واحدًا، وهو أنَّ الله واحدٌ في ذاته، وليس ثلاثة، فبطلت بذلك مقولة إنَّ المسيح هو الله، أو إنه ثالث ثلاثة، وبناء عليه؛ فمن لم يؤمن بأن الله واحدٌ في ذاته، وليس ثلاثة؛ فقد كفر بالنصوص المنقولة من العهد القديم ولم يؤمن بها في الحقيقة.

نَصُوصُ الْعَهْدِ الْجَدِيدِ الَّتِي تُقَرِّر أنَّ اللهَ واحدٌ فِي ذَاتِه، وعَدَدُها عَشْرة


,1-  في «إنْجِيل يُوحَنَّا» (20/17) قَالَ الْمَسِيحُ لامْرأةٍ: «اذْهَبي إلى إخْوَتي وقُولي لَهُم: إنِّي أَصْعد إلى أَبي وأَبِيكُمْ وإلـٰهِي وإلـٰهِكُمْ».

فدَلَّ قَولُ الْمَسِيح: (إلـٰهِي وإلـٰهِكُمْ) عَلَى اعْتَرافِه بِأنَّ اللهَ هُو إلـٰههُ وإلـٰهُ النَّاسِ كُلِّهِمْ، وأنَّ الْمَسِيح نَفْسَه لَيْسَ إلـٰهًا ولا ربًّا، بَلْ هُو عبدٌ للهِ كَسَائِر الْبَشَر، لأنَّ إلـٰـهَهُ هُو إلـٰهُ قومِه الَّذِينَ خَاطَبهُم، وهُو اللهُ، ولوْ كَانَ الْمَسِيحُ هُو اللهَ لَمَّا كَانَ لِهَذِه الْجُمْلةِ مَعْنًى: (إنِّي أَصْعَدُ إِلى... إلـٰهِي)، فَإلى مَنْ سَيصْعَد الْمَسِيحُ لو كان هُو اللهُ ذَاتُه؟!

كذَلِك ففِي وصف المَسيح لقومِه بأنَّهم (إخوته) دليل على أنَّه بشر مثلهم، وليس ربهم، ولَو كَان المَسِيح ربهم لمَا صَحَّ وصفه لَهم بأنَّهم إخوته، وهذا واضح.

ووصْفُ المَسِيح لهم بأنهم إخوتُه يعني بذلك الأخوة في النسب، لأنَّهم جميعًا من نسلٍ واحد، وهو بنو إسرائيل، فيصح أن يصفهم بأنهم إخوته لاتِّحادهم في النسل.

ومِنَ اللَّطِيف ذِكْرُه في هَذِا الْمَقَام أنَّ القُرْآنَ (دُسْتُور دِين الإسْلام) ذَكَر اعْتِرافَ الْمَسِيحِ بِأَنَّ اللهَ هُو ربُّه وربُّ النَّاسِ كُلِّهِمْ في خَمْسَةِ مَواطِنَ، وهِي:


﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ۖ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ۖ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ ۖ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ﴾سورة المائدة: 72.

وقَالَ اللهُ في القُرْآنِ عنِ الْمَسِيح أنَّه قَالَ لِقَومِه:

﴿مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ۚ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ﴾

سورة المائدة: 117.

وقَالَ اللهُ في القُرآنِ عنِ الْمَسِيح أنَّه قَالَ لِقَوْمِه:

﴿وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ ۚ هَٰذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ﴾

وقَالَ اللهُ في القُرْآنِ عنِ الْمَسِيح أنَّه قَالَ لِقَومِه:

﴿إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ ۗ هَٰذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ ﴾

سورة آل عمران: 51.

فَالْحاصِلُ أنَّ الأَنَاجِيل تُثْبتُ أنَّ الْمَسِيح كَانَ مُـقِـرَّا لله بأنَّه رَبُّه وربُّ النَّاسِ كُلِّهم، وكَذَلِك القُرآنُ، بِخِلافِ الاعْتِقَاد السَّائِد بَينَ الْمَسِيحيينَ بأنَّ الْمَسِيحَ هُو نَفْسُه الربُّ وابنُ الرَّبِّ.


 تَنْبيهٌ هَام

مِنَ الْمَعْلومِ أنَّ مَعْنى الأَبِ في الْمَصَادِر الإنجيليَّةِ هُو الْمُربيُّ، ولَيْسَ مَعْنَاه أُبُـوَّة النَّسَبِ الْمَعْرُوفَة، التي يتولَّد فيها الابن من الأب والأم عن طريق العلاقة الجنسية، يَدلُّ لِهَذَا أنَّ الْمَسِيحَ وصَفَ الرَّبَّ بِأَنَّه أبو جَمِيع النَّاسِ في قَوْلِه: (أصْعدُ إلى أبي وأَبِيكُمْ)، ولا أَحَدَ يَقُول: إنَّ الله هو أبُ النَّاسِ كَلِّهِم بِمَعْنَى أُبُـوَّة النَّسَب الْمَعْرُوفَة.


وبناء عليه فإن مَعْنى الأَبِ هُنَا أي الْمُرَبي والـمُعْتَني، ومِن المعلوم أنَّ اللهَ هو الْخَالقُ الرَّازِقُ الْمُدبرُ لِشئُونِ النَّاسِ كُلِّهمْ.


,2-  وفي «يُوحَنا» (28:14) قَالَ الْمَسِيح: «لأنَّ أبي أَعْظمُ مِنِّي».

فَلوْ كَان اللهُ والْمَسِيحُ مُتَسَاويينِ ولَهُمَا ذَاتٌ وَاحِدةٌ فَكَيفَ يَكُونُ اللهُ أَعْظَمَ مِنْه؟!

هَذَا تَنَاقُضٌ ظَاهِر.

فَدلَّ هَذَا عَلَى أنَّ ذَاتَ اللهِ لَيْسَتْ هِي ذَاتَ الْمَسِيح، بَلْ لكُلٍّ مِنْهُمَا ذَاتٌ مُخْتَلِفةٌ، واللهُ فَوْقَ سَمَاواتِه عَلَى عَرْشِه E، لا يَمْتَزِج بِخَلْقِه ولا يُخَالِطُهُمْ، هُمْ في الأَرْضِ، وهُو فَوْقَ السَّمَاء السَّابِعة عَلَى عَرْشِه.


,3-  «يوحنَّا» (17: 3):

«وهذه هي الْحَياةُ الأَبَديَّة أنْ يَعْرِفُوكَ أَنْت الإلـٰهُ الْحَقِيقِيُّ وحْدَكَ، ويَسُوعُ الْمَسِيحُ الَّذِي أَرْسَلْتَه».


,4-  «مُرْقُص» (12: 29، 32):

«فَأَجَابه يَسُوع: إنَّ أوَّل كُلِّ الوصَايَا هِي: اسْمَع يَا إسْرَائِيل، الرَّبُّ إلـٰهُنا ربٌّ واحِدٌ...

فَقَالَ لَهُ الْكَاتبُ: جَيِّدًا يَا مُعَلِّم، بِالْحَقِّ قُلت: لأنَّه اللهُ واحِدٌ، ولَيْس آخرُ سِواه».


,5-  «لُوقَا» (18: 19):

«فَقَال لَهُ يَسُوع: لِمَاذَا تَدْعُوني صَالحًا؟ لَيْسَ أَحَدٌ صَالحًا إلَّا واحدٌ وهُو الله».


,6-  «يوحنَّا» (5: 44):

«كَيْفَ تَقْدِرُون أنْ تُؤمِنُوا وأَنْتُم تَقْبَلُون مَجْدًا بَعْضُكم مِنْ بَعضٍ، والْمَجْد الَّذِي مِنَ الإلـٰهِ الْوَاحِدِ لَسْتُمْ تَطْلُبونَه؟!».


,7-  «متَّى» (4: 10):

«حِينَئِذٍ قَالَ لَهُ يَسُوعُ: اذْهَب يَا شَيْطَان، لأنَّه مَكْتوبٌ: للرَّبِّ إلـٰهِك تَسْجُد، وإيَّاهُ وحْدَه تَعْبُد».

تَنْبيه: هَذَا مُتَوافِقٌ مَعَ الآيَةِ الَّتي في سُورَة الْفَاتِحة الَّتي في القُرْآنِ الْعَظِيم: ﴿ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ﴾(.


,8-  «مُرْقُص» (2: 7):

«لِمَاذَا يَتَكَلَّم هَذَا هَكَذَا بِتَجَادِيفَ؟ مَنْ يَقْدِرُ أنْ يَغْفِر خَطَايا إلَّا اللهُ وحْدَه؟».


,9-  «الرُّؤيا» (15: 4):

«مَنْ لا يَخَافُك يَا رَبِّ ويُمَجِّدُ اسْمَكَ؟ لأنَّك وحْدَك قُدُّوس، لأنَّ جَمِيع الأُمَمِ سَيَأْتُونَ ويَسْجُدُون أَمَامَك، لأنَّ أحْكَامَك قَدْ أُظهِرت».


,10-  وفي «مُرْقُص» (10 : 17- 18) مَا يَدلُّ عَلى أنَّ ذَاتَ اللهِ لَيْستْ ذَاتَ الْمَسِيح، فَإنَّه لَمَّا نَادَاه رَجلٌ فَقَال لَهُ: (يَا صَالح)؛ أَجَاب الْمَسِيحُ فَقَالَ:

«لِمَاذَا تَدْعُوني صَالحًا؟ لَيْسَ أَحدٌ صَالحًا إلَّا واحدٌ وهُو الله».

 خلاصة

دلت النصوص الإنجيلية المتقدمة على أن المسيح كان مقرًّا لله بأنه واحدٌ في ذاته، وأنه إلـٰهُهُ وربُّهُّ الحقيقي، بل إلـٰهُ وربُّ الناسِ كلهم.


السابق التالى

مقالات مرتبطة بـ الأدلة النقلية الدلائل الثلاثه الاولي

معرفة الله | علم وعَملIt's a beautiful day