الدليل الحادي عشر علي بطلان مقولة (ان المسيح رب)


ماجد بن سليمان

الدَّلِيلُ الْحَادِي عَشَرَ عَلَى بُطْلانِ عَقِيدَةِ التَّثْلِيث -والَّتي تَعْتَمِدُ أَصْلًا عَلى عَقِيدَةِ (أَنَّ الْمَسِيحَ رَبٌّ)-:

 أَنَّ هَذِه الْعَقِيدَة لا تُعرفُ في أَيِّ دِينٍ سَمَاوي سَابِقٍ ولا لاحِقٍ، فَهَذِه الْعَقِيدَةُ لمْ يَعْرِفْها أَنْبِياءُ اللهِ السَّابِقِين الَّذِين يَعْتَرِف بِهِم 

الْيَهُود والنَّصَارى(1) (الْمَسِيحيُّونَ)، مِثْل النَّبيِّ نُوحٍ وإبْرَاهِيمَ ولُوطٍ وإسْحَاقَ ويَعْقُوبَ ۏ، بَلْ ولمْ يَعْرِفْهَا ولمْ يَذْكُرْهَا أَنْبِياء بَني إسْرَائِيلَ الَّتي وَصَلت

 إِلَيهِمْ أَخْبَارُهم؛ كَيَعْقُوبَ ويُوسُفَ ومُوسَى وهَارُونَ ودَاودَ وسُلِيمَانَ ۏ.نَعْمْ، لَيْسَ في الْعَهْد الْقَدِيم الَّذِي يُؤمِنُ بِه الْمَسِيحيُّونَ -والَّذِي سَاقَ أَخْبارَ هَؤلاءِ الأَنْبياءِ ودَعْوتِهم- 

أنَّ هَؤلاءِ الأَنْبياءَ دَعَوْا إِلى عِبَادَة إِلـٰهٍ مُـثلَّثِ الأَقَانِيم، أوْ تَلَفَّظُوا بِلَفْظِ التَّثْليثِ, ومَا شَابَه ذَلِك، بَل الَّذِي وَرَدَ عَنْهُم هُو أَنَّهم دَعَوْا بِدَعْوة كُلِّ الرُّسُل مِنْ نُوحٍ إلى

 مُحَمَّدٍ (2)، حَيثُ دَعَوا إِلى عِبَادَة إلـٰهٍ وَاحِدٍ لَا شَرِيكَ لَهُ، وهَذَا مُدَوَّن في الْعَهْد الْقَدِيم.

 ومِنْ ذَلِك:


• قَوْلُ اللهِ لإبْرَاهِيم ڠ كَمَا في الْعَهْد الْقَدِيم «سِفْر التَّكوينِ» (17/ 7): «وأُقيمُ عَهْدِي بَيني وبَيْنَك وبَينَ نَسلِكَ مِن بَعْدِك في أَجْيَالِهم، عَهْدًا أَبَديًّا، لأكُون إلـٰهًا لَكَ ولِـنَسلِكَ مِنْ بَعْدُ».
• قَوْلُ اللهِ لِمُوسَى ڠ في طُورِ سَيْنَاءَ في كَلامِه لِه كَمَا في الْعَهْد الْقَدِيم الَّذِي يُؤمِنُ بِه الْمَسِيحيُّون في «سِفْرِ الْخُروجِ» (3/ 15): «وقَالَ اللهُ -أَيْضًا- لِمُوسَى: هَكَذَا تَقُول لِبَني إسْرَائِيل: يَهْوَه إلـٰهُ آبَائِكُم، إلـٰهُ إِبْرَاهِيم وإلِـٰهُ إسْحَاقَ وإلـٰهُ يَعْقُوبَ، أَرْسَلَني إِلَيْكُم».
• وفي نَفْسِ السِّفْر (4/ 5) قَولُ اللهِ لِمُوسَى: «لِكَي يُصَدِّقُوا أَنَّه قَدْ ظَهَر لَكَ الرَّبُّ إلـٰهُ آبَائِهم، إلـٰهُ إبْرَاهِيمَ وإلـٰهُ إسْحَاقَ وإلـٰهُ يَعْقُوبَ».
• وهَذَا الْخِطَاب لِمُوسَى جَاءَ مِثْلُه في «إنْجِيل لُوقَا» (20/ 37).
• وجَاءَ في الْعَهْد الْقَدِيم في «سِفْر إشعيا» (44/ 6): «هَكَذَا يَقُولُ الرَّبُّ مَلكُ إسْرَائيلَ وفَادِيه، رَبُّ الْجُنودِ: أنَا الأَوَّلُ وأنَا الآخِر ولا إلـٰهَ غَيْرِي».
• وهَذَا حزقيا أَحَدُ أَنْبِيائِهِمْ يُخَاطِب الرَّبَّ: «أَنْت هُو الإلـٰهُ وحْدَكَ، لِكُلِّ مَمَالِك الأَرْضِ. أَنْت صَنَعتَ السَّمَاواتِ والأَرْضِ». «سِفْر إشعيا» (37/ 16).
• كَذَلِك فَلمْ يَعْتَرفِ الَّدينُ الَّذِي جَاء بَعْدَ دِينِ الْمَسِيح -وهُو دِينٌ وَاحدٌ وهُو دِينُ الإسْلامِ- بِهَذِه الْعَقِيدَة؛ أَيْ: عَقِيدَةِ التَّثْليثِ، بَلْ أَنْكَرَهَا، كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالى في القُرْآن:

{لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ وَما مِنْ إِلهٍ إِلاَّ إِلهٌ واحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (73) أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (74) مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (75)}. (3)


وقَالَ اللهُ تَعَالى:

لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ۚ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ۗ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴿١٧﴾ (4)


وقَالَ تَعَالى:

لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ۖ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ۖ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ ۖ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ﴿٧٢﴾(5)


وقَالَ تَعَالى:

يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ ۚ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ ۖ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ۖ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ ۚ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ ۚ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ ۘ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَكِيلًا ﴿١٧١﴾(6)


فَقَولُه: ﴿ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ﴾؛ أيْ: أنَّ اللهَ مُـنَـزَّهٌ عَنْ أنْ يَكُون لَهُ ولَدٌ، لأنَّ اتِّخَاذ الْوَلد صِفَة نَقْصٍ ولَيْستْ صِفَةَ كَمَالٍ، لأَنَّ اتِّخَاذَ الأَوْلادِ يَدلُّ عَلَى احْتِياج الرَّبِّ إِلى النَّاس وهَذَا بَاطلٌ، لأنَّ اللهَ غَنيٌّ عَنِ الْعَالَمين.
فَهَذَا هُو الْقُرْآنُ، دُسْتُور دِينِ الإسْلامِ، وكَلامُ اللهِ الْمَحْفُوظ إِلَى يَوْمِ الْقِيامَة، يُبَيِّن أنَّ عَقِيدَةَ التَّثْلِيث بِاطلةٌ، وأنَّ عَقِيدةَ ربوبية الْمَسِيح وألوهيته بَاطلةٌ، ويُبَيِّن -أَيْضًا- أنَّ اعتقاد أنَّ الْمَسِيحَ ابنُ اللهِ باطل، والصَّحِيحُ أنَّ الْمَسِيحُ كَانَ عَبدًا للهِ، وكَانَ يَأْمُر قَومَه بِعبَادَة اللهِ.
فَالْحاصِلُ أنَّ الْقَوْل بالتَّثلِيث يَلْزَم مِنْه أنَّ جَمِيعَ الأَنْبِياءِ والرُّسل ضَلُّوا عَنْ مَعْرِفَة إلـٰهِهِم ومَعْبُودِهم وخَالقِهم، واهْتَدَى إِليه القَسَاوِسَةُ الَّذِين وضَعُوا عَقِيدَةَ التَّثْليثِ بَعْدَ رَفْع الْمَسِيحِ بِعِدَّة قُرونٍ في القَرْن الرَّابِع الْمِيلادِي في عَقِيدَةِ إِيمَانِهِم الَّتي اتَّفَقُوا عَلَيْهَا في مَجْمَع القُسْطَنْطِينيَّة الأوَّل عَام 381م!! 
وهَذَا قَولٌ واضِحُ البُطْلان.

المراجع

  1.  النصارى هم المعروفون الآن بالمسيحيين، وهم أتباع عيسى ابن مريم، ووجه تسميتهم بهذه التسمية «نصارى» هو تناصرهم فيما بينهم. وقيل: إنهم سُمُّوا بذلك تبعًا للحواريين الذين وصفوا أنفسهم بذلك، كما قال عيسى ڠ:

    فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ ۖ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ [سورة آل عمران: 52].

    وقيل: إنهم سُمُّوا بذلك من أجل أنهم نزلوا أرضًا يقال لها: «ناصرة» بفلسطين، وقيل: إنهم سُمُّوا بذلك لأن عيسى خرج منها. وعلى كل حال فكلمة «نصارى» أصلها من النصرة، وهي صفة مدح وثناء.
  2. ( معنى الصلاة على النبي محمد: هو ثناء الله عليه في الـملإ الأعلى، وهم الملائكة، وهذا فيه زيادة تشريف وثناء عليه، وهو يستحق ذلك، لأن الله هدى الناسَ به إلى الدين الصحيح.
    ومعنى (وسلَّم) هذا دعاء -أيضًا- أن يُسَلِّمه الله من الآفات، مثل الطعن فيه أو في زوجاته ونحو ذلك. فيكون المعنى الإجمالي لجملة (H) أي: اللهم اثْنِ على نبيك محمد عند ملائكتك، وسَلِّمه من الآفات. وهذه الجملة جملة توقير واحترام، ويجب على المسلم أن يقولها كلما مرَّ بذكر النبي محمد، فلا يليق بالمسلم أن يمر عليه اسم النبي محمد فلا يدعو له، وكأنه يتكلم عن إنسان عادي. كما يستحب قول: (ڠ) عند ذكر باقي الأنبياء، تشريفًا لهم وتكريمًا.

  3. سورة المائدة: 73 - 75
  4. سورة المائدة:17.
  5. سورة المائدة:72.
  6.  سورة النساء:171.

السابق التالى

مقالات مرتبطة بـ الدليل الحادي عشر علي بطلان مقولة (ان المسيح رب)

معرفة الله | علم وعَملIt's a beautiful day