"لا إله إلا الله" معناها وشروطها
أن يشهد الإنسان بِــــ: "لا إله إلا الله" يعني أنه أقرَّ بقلبه ناطِقاً بلسانه أن ليس في الكون إلهٌ يَسْتَحِق أن يُعبد سِوَى الله. في "لا إله إلا الله" التي اصْطُلِح على تسميتها بكلمة التوحيد دخلت أداة النفي "لا" على اسم "إِلَـــــــه"، الذي يعني المعبود (1) ، أما خبرُها فمُقَدَّر يُعَبَّر عنه: "كائنٌ بحقٍّ". فنقول إذا ما أردنا أن نستكمل صياغة ما تضمنته الجملة: "لا إِلَـــــــه كائنٌ بحقٍّ إلا الله". وكما لا يخفى على أحد فقد كان الناس يعبدون الأصنام، ويعبدون الكواكب، ويعبدون الحيوانات. بل قد نجد في عصرنا في بلد كالهند آلافاً من الآلهة تعبد كلها بالباطل إلا اللهُ تعالى الذي يستحق العبادة وحده دون غيره. لأنه رب العالمين. فتكون الشهادة مشتملة على أصلين: الأول نفي استحقاق العبادة عن غير الله في "لا إله" والثاني إثبات استحقاقها لله في "إلا لله". قال الله تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ﴾ (2) . وقال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ﴾ ففي شق الآية: ﴿إِنَّنِي بَرَاءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ﴾ نفى إبراهيم استحقاق العبادة عن غير الله: أما في شق الآية: ﴿إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ﴾ فقد أثبت استحقاقها لله.
ولكي يُحقِّق الإنسان "لا إله إلا الله" كما يريد الله ورسوله لابد له من أن يستوفي شروطها التي حددها علماء الإسلام في سبعة هي:العلم، والقَبول، واليقين، والتسليم، والإخلاص، والصدق، والمحبة.
أولاً: العلم: ويحصل بمعرفة ما تعنيه "لا إله إلا الله"، إذ لا يمكن لإنسان أن يحقق توحيد الله تعالى دون أن يفهم ويعي معنى "لا إله إلا الله". لقد أمر الله تعالى رسوله (صلى الله عليه وسلم) فقال:﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ﴾ . قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى معلقا على هذه الآية: "فبدأ سبحانه وتعالى بالعلم قبل القول والعمل." (3) وقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): " من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة " . (4)
ثانياً: القَبول: ويعني أن نقبل بــ "لا إله إلا الله" كما هي دون أدنى تردد أو تمنُّع. لقد حدثنا الله تعالى في كتابه عن حال الأمم التي استكبرت وردت كلمة التوحيد متَّهِمَةً من دَعاها إليها بالجنون فقال: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ ﴾. وقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ناصحا: "قل آمنت بالله ثم استقم" . (5)
ثالثاً: اليقين: ويعني أن نكون متيقنين من صدق "لا إله إلا الله" دون أن يساورنا شك في ذلك؛ قال تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا﴾ فاضاف سبحانه إلى إيمانهم شرط كونهم لم يرتابوا، أي لم يشُكُّوا. وقال النبي (صلى الله عليه وسلم) لأبي هريرة: "من لقِيت […] يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه فبشره بالجنة " . (6)
رابعاً: التسليم: وهو الإذعان لأمر الله تعالى بالرضى المستحق. قال تعالى: ﴿وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ﴾ (7) ، وقال أيضا: ﴿وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى﴾ (8) ومعنى "يسلم وجهه" أي يذعن، "وهو محسن" أي موحد، والعروة الوثقى فسرها علماء الإسلام بـــــِ"لا إله إلا الله".
خامساً: الإخلاص: وهو أن يبتغي الإنسان بعمله وجه الله تعالى وثوابه، فهو لا يعد مخلصا حتى يقصد بكل عباداته تحصيل رضى الله تعالى ويسلم سعيه من أي حرص على استجلاب مدح الناس وثنائهم؛ قال الله تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء﴾ (9) . وقال الرسول (صلى الله عليه وسلم): "أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال: لا إله إلا الله خالصا من قلبه، أو من نفسه" .(10)
سادساً: الصدق: ويعني أن يوافق ما يُظهر الإنسان من تديُّن باطنَ ما يعتقد. إن العمل بشعائر الإسلام الظاهرة لا يكفي دليلا على تحقق الصدق، بل يجب أن يرافقه صدق اعتقاد القلب وإلاَّ كان ذلك نفاقاً نهى الله عنه وتوعد من اتصف به؛ قال تعالى: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا﴾ (11) . لقد أمرنا الله بملازمة الصدق والصادقين، فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾ (12) . وقال النبي (صلى الله عليه وسلم): "من قال لا إله إلا الله صدقا من قلبه، حرم الله جسده على النار." (13)
سابعاً: المحبة: وتعني حبَّ الله تعالى وحبّ ما يحبّ وكراهية ما يكره؛ لقد نعت الله عباده المؤمنين بأنهم أشد الناس حبا له فهم لا يتخذون من دونه أنداداً كما يفعل غيرهم، قال تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ ﴾ (14) . وعلامة حب العبد ربه تقديم كل ما يحب الله على ما يحبه هو وتميل إليه نفسه، وبغض جميع ما يبغض ربه وإن مالت إليه نفسه.
- - - - - - - - - - - -
1) يطلق الإله على كل معبود، فقد قال الله تعالى:﴿ وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ ﴾ ومحل الشاهد أنه سبحانه وتعالى سمى من عُبِد دونه إلهاً.
2) سورة الحج - سورة 22 - آية 62
3) سورة محمد - سورة 47 - آية 19
4) أخرجه مسلم، في كتاب الإيمان، باب من لقي الله بالإيمان وهو غير شاك فيه دخل الجنة وحرم على النار من حديث عثمان ابن عفان. حديث رقم: (43).
5) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب جامع أوصاف الإسلام، من حديث سفيان بن عبد الله الثقفي، حديث رقم:62.
6) أخرجه مسلم. في كتاب الإيمان، باب من لقي الله بالإيمان وهو غير شاك فيه دخل الجنة وحرم على النار، من حديث أبي هريرة،حديث رقم (52).
7) سورة الزمر - سورة 39 - آية 54
8) سورة لقمان - سورة 31 - آية 22
9) سورة البينة - سورة 98 - آية 5
10) أخرجه البخاري في كتاب الإيمان، باب الحرص على الحديث،عن أبي هريرة، حديث رقم:99
11) سورة النساء - سورة 4 – آية 145
12) سورة التوبة - سورة 9 - آية 119
13) أخرجه البخاري في كتاب الإيمان، باب من خص بالعلم قوما دون قوم، كراهية أن لايفهموا، عن معاذ حديث رقم:128.
14) سورة البقرة - سورة 2 - آية 165