النقطة الاولي من الادلة التاريخية علي مقولة (ان المسيح رب)


ماجد بن سليمان

النقطة الاولي من الادلة التاريخية علي مقولة (ان المسيح رب)

النُّقْطَة الأُوْلَى: إِثْبَاتُ عَدَاوةِ بُولِس للْمَسِيح وأَتْباعِه


مُقَدِّمَة: كَان النَّاسُ في فِلَسْطِين يَنْظُرُونَ للْمَسِيح بنِ مَرْيمَ قَبْلَ أَنْ يَبْدَأَ في دَعْوتِه عَلَى أنَّه إِنْسَانٌ مِثْلهم، ولَمَّا بَدَأَ دَعْوتَه لِقَوْمِه الْيَهُود انْقَسَمُوا إِلَى قِسْمَينِ:


الأَوَّل: قَوْمٌ صَدَّقُوه وآمَنُوا بِرسَالَتِه واتَّبَعُوه، وأنَّه نَبيٌّ بَشَرٌ مَرْسَلٌ مِنَ اللهِ  إِلَيهِمْ.
والقِسْم الثَّانِي: قَوْمٌ كَذَّبُوه ولمْ يُؤمِنُوا بِه، وعادوهُ واتَّهَمُوه بِأَنَّه مُدَّعٍ للنُّبوة.


وقَدْ سعى أَعْدَاءُ الْمَسِيحِ مِنَ الْيَهُودِ لتَوْرِيطِ الْمَسِيح مَعَ السُّلُطَاتِ الرُّومَانِيَّة الْحَاكِمَة لِفلَسْطِينَ آنَذَاكَ ليقتلوه، فوَشَوْا بِهِ إِلَى بَعْضِ 

الْمُلُوكِ الْكَفَرَةِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ، فَأَمَرَ بِقَتْلِهِ وَصَلْبِهِ، فَحَصَرُوهُ فِي دَارٍ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَذَلِكَ عَشِيَّةَ الْجُمُعَةِ لَيْلَةَ السَّبْتِ، وسبب ذلك

 العداء أن اليهود لما بعث الله عيسى ابن مريم بالبينات والهدى؛ حسدوه على ما آتاه الله من النبوة والمعجزات الباهرات، فقد كان 

يُبرئ الأكمهَ(1) والأبرص ويُحيي الموتى بإذن الله، ويُصَوِّرُ من الطين طائرًا ثم ينفخ فيه فيكون طائرًا يُشاهَدُ طيرانه بإذن الله ، 

إلى غير ذلك من المعجزات التي أكرمه الله بها وأجراها على يديه، ليعلم الناس أنه نبي، فكذبوه وخالفوه، وسَعَوْا في أذاه بكل ما أمكنهم، 

حتى صار عيسى ڠ لا يُساكنهم في بلدة، بل يُكثر السياحة والاختفاء عنهم في البلاد هو وأمه مريم ڽ، ثم لم يُقنعهم ذلك حتى سعوا إلى مَلِكِ

 دمشق في ذلك الزمان، وكان رجلا مشركًا من عَبدَةِ الكواكب، وكان يقال لأهل دينه (اليونان)، فقالوا له إن بِـبيتِ المقدس رجلًا يفتن الناس

 ويُضِلُّهم ويُفسد على المَلِكِ رعاياه، فغضب الملك من هذا، وكتب إلى نائبه بالمقدس - وهو دَاوُدَ بْنَ يُورَا - أن يقبض على هذا المذكور، وأن 

يَصلبه ويَضع الشوك على رأسه، ويَكُفَّ أذاه عن الناس، فلما وصل الكتاب امتثل والي بيت المقدس، وذهب هو وطائفة من اليهود إلى المنزل 

الذي فيه عيسى ڠ، وكان مع جماعة من أصحابه، اثنا عشر أو ثلاثة عشر، وقيل سبعة عشر نفرًا، وكان ذلك يوم الجمعة بعد العصر ليلة 

السبت، فحصروه هنالك، فَلَمَّا حَانَ وَقْتُ دُخُولِهِمْ ألقى اللهُ شَــبَــهَ المسيح عَلَى أحد أَصْحَابِهِ الْحَاضِرِينَ عِنْدَهُ، وَرُفِعَ المسيح مِنْ فتحة في سقف 

البيت إِلَى السَّمَاءِ، وَأَهْلُ الْبَيْتِ يَنْظُرُونَ، وَدَخَلَتِ الشرطة فَوَجَدُوا ذَلِكَ الشَّابَّ الَّذِي أُلْقِيَ عَلَيْهِ شَبَهُهُ، فَأَخَذُوهُ ظَانِّينَ أَنَّهُ عِيسَى، فَصَلَبُوهُ وَوَضَعُوا

 الشَّوْكَ عَلَى رَأْسِهِ إِهَانَةً لَهُ، وتبجَّحوا بذلك، وصدق عَامَّةُ النَّصَارَى اليهود في دعواهم أنهم قتلوا المسيح، لأنهم لم يعلموا حقيقة الأمر ولم يشاهدوا

 ما حدث في داخل البيت، فظنوا كما ظنت اليهود أن المقتول المصلوب هو المسيح، وَضَلُّوا بِسَبَبِ ذَلِكَ ضَلَالًا مُبِينًا كَثِيرًا فَاحِشًا بَعِيدًا(2).


وهُنَا قَدْ يَسْأَل سَائِلٌ فَيَقُولُ: لِمَاذَا يَكْرَهُ الْيَهُودُ الْمَسِيح؟

فَالْجَوابُ: أنَّ دَعْوةَ الْمَسِيح وتَعَالِيمه السَّمْحَة تَتَنَاقَضُ مَعَ طَبَائِع الْيَهُود الْمَادِّيَّة الشَّرِهَة، وقُلُوبِهِمُ القَاسِية الْمُتَكَبِّرة الْمُتَحَجِّرَة، فَلَمَّا جَاءَهُم 

ونصحهم وأمرهم باتِّـباعه اتَّهَمُوه بِأَنَّه مُدَّعٍ للنُّبُوة، وكَفَرُوا بِالآيَاتِ الدَّالَّة عَلَى نُبُوَّتِه، وقَالُوا: إِنَّهَا تَتِمُّ بِمُسَاعَدَة الشَّيَاطِين.

وبَعْدَ رَفعِ الْمَسِيح إِلَى السَّمَاء بِسَنواتٍ قَلِيلةٍ جَاءَ بُولِس اليَهُودِيُّ، الْمُتَطَبِّعُ بِطَبَائِع الْيَهُود مِن رَأْسِه إِلى أُخْمُصِ قَدَميه، والذي كان يُعذِّب 

أتباع المسيح، فتظاهر بالدخول في دين المسيح، ليثق الناس به، ثم بدأ بمخطط رهيب لإفساد دين المسيح، بأن ادَّعَى أمورا، 

على رأسها دعواه أنَّ الْمَسِيحَ إلـٰهٌ وأنَّه ابنُ اللهِ، فَتَبِعَه مَنْ تَبِعَه عَلَى هَذَا الاعْتِقَاد، فَنَشَأَ القِسْمُ الثَّالِث الَّذِي يُضَافُ إِلى الْقِسْمَينِ الآنْفِ ذِكْرُهَما.


 سَرْدُ النُّصُوصِ المُثْبِتَة لِعَدَاوَةِ بُولِس للْمَسِيح ودِيْنِه وأَتْبَاعِه
• جَاءَ عَنْه في «أَعْمَال الرُّسُل» (8/3):
«وأمَّا شَاول فَكَان يَسْطُو عَلَى الْكَنِيسَة، وهُو يَدْخُل الْبُيوتَ ويَجُرُّ رِجَالًا ونَسَاءً ويُسَلِّمُهمْ إِلَى السِّجْن».
• وقَالَ في «رِسَالَته إِلَى أَهْلِ غلاطية» (1/13):
«فَإِنَّكُم سَمِعْتُم بِسيرَتي قَبْلًا في الدِّيَانَة الْيَهُودِيَّة، أَنِّي كُنْتُ أَضْطَهد كَنِيسَةَ اللهِ بِإِفْرَاطٍ وأُتلِفها».
• وجَاءَ عَنْه في «أَعْمَال الرُّسُل» (26/9-11) أَنَّه قَالَ للمَلِك أغريباس:
«فَأَنَا ارْتَأَيْتُ في نَفْسِي أَنَّه يَنْبَغِي أنْ أَصْنَعَ أُمورًا كَثِيرةً مُضَادَّة لاسْمِ يَسُوع النَّاصِري.
وفَعَلتُ ذَلِك -أَيْضًا- في أُورشَليم، فَحَبَستُ فِي سُجُونٍ كَثِيرينَ مِنَ القِدِّيسينَ، آخِذًا السُّلْطَان مِنْ قِـبَلِ رؤسَاءِ الْكَهَنَةِ( 3). ولَمَّا كَانُوا يُـقْتَلُون أَلْقَيتُ قُرْعَةً بِذَلك.
وفي كُلِّ الْمَجَامِع كُنْتُ أُعَاقِبُهُم مِرارًا كَثِيرةً، وأَضْطَرهم إِلَى التَّجْدِيف( 4). وإذْ أَفـرَط حَـنَـقي عَلَيْهِم كُنتُ أَطْرُدُهمْ إِلى المُدنِ الَّتِي فِي الخَارِج».
• وجَاءَ في «أَعْمَال الرُّسُل» (9/20-21) عنْ بُولِس أن لما جَعَل يُكـرِّز في الْمَجَامِع أن الْمَسِيح هُو ابنُ اللهِ؛ بُهِت جَميعُ الَّذِين كَانُوا يَسْمَعُون وقَالُوا: «أَلَيس هَذَا هُو الَّذِي أَهْلَكَ في أُورْشَلِيم الَّذِين يدْعون بِهَذَا الاسْم؟ وقَدْ جَاءَ إِلى هُنَا لِهَذَا لِيَسُوقَهم مُوثَّقِين إِلَى رُؤسَاء الْكَهَنَة؟!».
• وجَاءَ عَنْ بُولِس في بِدَايَة الإِصْحَاح التَّاسِع مِنْ «أَعْمَال الرُّسُل»: 
«أمَّا شَاول فَكَانَ لمْ يَزَلْ يَنْفُث تَهَدُّدًا وقَتْلًا عَلى تَلامِيذِ الرَّبِّ، فَتَقَدّ  إِلى رَئيسِ الْكَهَنة.

وطَلَبَ مِنْه رَسَائِل إِلى دِمَشْقَ إِلَى الْجَمَاعَات، حتَّى إِذَا وَجَدَ أُنَاسًا مِنَ الطَّرِيقِ، رِجَالًا أوْ نِسَاءً، يَسُوقُهمْ مُوثَّقِين إِلَى أُورْشَليم.

وفي ذِهَابِه حَدَثَ أنَّه اقْتَربَ إِلى دِمَشْقَ فَبَغْتَةً أَبْرَق حَوْلَه نُورٌ مِنَ السَّمَاءِ.

فَسَقَطَ عَلَى الأَرْضِ وسَمِعَ صَوتًا قَائِلًا لَهُ: شَاول، شَاول، لِمَاذَا تَضْطَهِدُنِي.

فَقَال: مَنْ أَنْت يَا سَيِّد؟ فَقَالَ الرَّبُّ: أنَا يَسُوع الَّذِي أَنْت تَضْطَهِدُه. صَعْبٌ عَلَيكَ أنْ تَرْفُس مَنَاخِس.

فَقَالَ وهُو مُرْتَعِد ومُتَحَيِّر: يَا رَبِّ، مَاذَا تُرِيدُ أنْ أَفْعَل؟ فَقَال لهُ الرَّبُّ: قُمْ وادْخُلِ الْمَدِينةَ فَيُقَال لَكَ مَاذَا يَنْبَغِي أنْ تَفْعَل».

فتبين من هذه النصوص التي هي من كلام بولس نفسه حقيقة أمره قبل دعواه أنه رسول، وأنه كان شديد العداوة للمسيح ودينه وأَتباعه.

المراجع

  1. الأكمه هو الذي وُلِــد أعمى.
  2. انظر «البداية والنهاية» لابن كثير، بابُ ذكر رفع عيسى ڠ إلى السماء، و«تفسير القرآن العظيم»، له، سورة النساء: 157.
  3. أي: أنه كان يستمد سلطته في التقتيل من رؤساء الكهنة اليهود.
  4. التجديف: هو الكذب والبهتان وقول الكفر

السابق التالى

مقالات مرتبطة بـ النقطة الاولي من الادلة التاريخية علي مقولة (ان المسيح رب)

معرفة الله | علم وعَملIt's a beautiful day