النقطة الخامسة من الادلة التاريخية علي مقولة (ان المسيح رب)


ماجد بن سليمان

النقطة الخامسة من الادلة التاريخية علي مقولة (ان المسيح رب)

النُّقْطَة الْخَامِسَة: دَعْوى بُولِس أنَّ خَطِيئَةَ أَبِيهِمْ آدَمَ بَاقِيةٌ، وأنَّ الْبَشَر تَوَارَثُوهَا، وأنَّ اللهَ أَرْسَل ابْنَه الْمَسِيح (فَادِيًا)، لِـيُـخلِّصَهُم مِنْ خَطِيئَةِ أَبِيهِمْ آدَمَ، بِأَنْ يَمُوت مَقْتُولًا مَصْلوبًا، وبِذَلِكَ يَرْضَى الرَّبُّ عن البشر وتَـتِـمُّ الْمُصَالَحَة بَيْنَه وبَيْنَهم.


 مَقُدِّمَة

لمْ يَكْتفِ الْيَهُودِيُّ بُولِس بِمَا تَقَدَّم مِن تَحْرِيفٍ في رِسَالَة الْمَسِيح عَيْسَى ابنِ مَرْيمَ الصَّافِية، والْمُتَمَثِّلِ بِدَعْوَى أنَّ الْمَسِيحَ ابنُ اللهِ وأنَّ

 الْمَسِيحَ أَوْحَى إِلَيهِ إِنْجِيلًا، بَلْ أَضَافَ إلَيْهِ تحريفا آخَرَ، تَطَوَّرَ فِيمَا بَعْدُ حَتَّى صَار أَحدَ الْمَحَاوِر والعَقاَئِد الْمُهِمَّة الَّتي تَدُورُ عَلَيْهَا الدِّيَانَةُ

 الْجَدِيدَةُ، فَقَدِ اخْتَرَع مِنْ مُخَالَفَةِ آدَمَ وحُوَّاء لأَمْر رِبِّهِمَا وأَكلِهمَا مِنَ الشَّجْرَة الَّتي نَهَاهُمَا عَنِ الأَكْلِ مِنْهَا، اخْتَرَع مِن ذَلِك عَقِيدةً جَدِيدةً 

اشْتُهرتْ بِاسْمِ «الْخَطِيئَة» أوْ «الْمَعْصِية الأُولَى»، حَيْثُ ادَّعَى بُولِس أنَّ تَلِكَ الْخَطِيئة الَّتي ارْتَكَبَهَا آدَمُ كَبِيرةٌ جِدًّا، وأنَّ اللهَ لمْ يَغْفِرْها 

لآدَمَ وحَوَّاء، وأنَّه لا يُمْكِن لأيِّ عَدَدٍ مِنَ الْحَيوانَاتِ الَّتي تُذْبَح كَقَرابِين أنْ تُـكَـفِّر عَنْهَا، وأنَّ الْبَشَرَ تَوارَثُوا هَذِه الْخَطِيئَة مُنْذ عَشَرَاتِ الْقُرونِ،

 قَرْنًا بَعْدَ قَرْنٍ، منذ وقت آدم، فَلا يُولَدُ طَفْلٌ إلَّا وهُو حَامِلٌ لِهَذَا الذَّنْب، وأنَّ السَّبِيل الْوَحِيد لِتَكْفِير هَذَا الذَّنْب هُو إرسال اللهَ لابْنَه الْوَحِيدَ يَسُوعَ (عَيْسى) 

إِلَى الأَرْضِ بِهَيْئَةٍ بَشَريَّةٍ ليُقتَلَ عَلَى الصَّلِيب، لَيَكُونَ هُو الأُضْحِية بِحَسَبِ زَعْمِه، ليُكَفِّر عَنِ الْبَشَرِ تِلْكَ الْخَطِيئَةِ، فَمَنْ آمَن بِالْمَسِيح أنَّه ابنُ اللهِ وأنَّ اللهَ 

أَرْسَله ليُكَفِّر عنِ الْبَشَر ذَلِك الذَّنْب وعَـبَـد المسيح؛ فَإِنَّ الْمَسِيحَ سُيُخلِّصُه مِن هَذَا الذَّنبِ ومِنْ تبِعَاتِه، ومَنْ لمْ يُؤمِن بذلك فَسَيبْقَى مَرْهونًا بِذَنْبِه وتَكُون عَاقِبتُه النَّار.


فَرَاجَ هَذَا الْمَبْدَأ عَلَى أَجْيَالِ النَّصَارَى، ظَانِّينَ أَنَّهُم فِعْلًا تَوارَثُوا تِلْكَ الْخَطِيئَة، وأنَّ طَرِيقَ الْخَلاصِ مِنْ هَذَا الذَّنْب لَا يَكُون إلَّا بِاعْتِقَادِ أنَّ الْيَسُوع هُو الـمُخَـلِّص، وأنَّ الْيَسُوع لَنْ يُخَلِّصَ أَحَدًا حتَّى يَعْبدَه ويَتَوجَّه إِلَيه بِالدُّعَاء، ويَعْتَقِد أنَّه ابنُ اللهِ، وأنَّه هُو الـمُـخَـلِّص والفَادِي مِنْ تِلْكَ الْخَطِيئة (المخترعة).


والْمَسِيحيُّون يَعْتَقِدُون ذَلِك فِعلًا بدون تفكير، اعتمادا على كلام بولس، بِالرَّغْم مِن أَنَّهُم لا ذَنْبَ لَهُم في هَذَا التَّوارُثِ الْمَزْعُوم، وبِالرَّغْم مِنْ أَنَّ آدَمَ قَدْ تَاَبَ أصْلًا مِنْ ذَنْبِه فَـغَـفَـرَ اللهُ لهُ, وانْتَهَى مَوضُوع الْخَطِيئَة في حِيْنِه قَبْل قُرونٍ غَابِرة، ولمْ يَـعُـد للذَّنْب وجُودٌ أصلا!


قَالَ البَاحِث الْمُتَّخِصص الأَسْتَاذ عَبدُ الوَّهَّاب بنُ صَالِح الشَّايع حَفِظَه اللهُ:
«بِنَاءً عَلى مَا عُرِف وشَاعَ مِنْ قَتلِ الْيَهُود للْمَسِيح عَلَى الصَّلِيب فَقَد جَعَلَ بُولِس مِن تَلِك الْحَادِثة إِحْدَى أَهَمِّ الْعَقَائِد في الدِّيَانَة الَّتي أَخَذَ يُـنْشِئُها ويُـشَـكِّلها بِتُؤدَةٍ عَلى أَنْقَاض دِيَانَة ورسَالة الْمَسِيح ڠ، مُرْتَكِزًا عَلَى الْعَقِيدَتِينِ السَّابِقَتَينِ اللَّتَينِ أَنَشأَهُمَا، وهُمَا: عَقِيدَةُ الْخَطِيئة أو الْمَعْصِية الأُولَى، وعَقِيدَة تَأْلِيه الْمَسِيح وبُـنُـوَّتِـهِ للهِ.


حَيثُ زَعَمَ بُولسُ أنَّ مِن صِفَاتِ اللهِ العَدْلَ والرَّحمةَ، فَبِمُقَتَضَى عَدلِه كَانَ عَلَيه أنْ يُعَاقِب البَشَريَّة كُلَّها عَلى تِلْك الْخَطِيئة والْمَعْصِية الأُولَى الَّتي تَوارَثُوهَا عنْ أَبَويهمْ آدَمَ وحوَّاءَ، وبِمُقْتَضَى رَحْمَتِه كَانَ عَلَيْه أَنْ يَغْفِرَ للْبَشريَّة تِلْك الْخَطِيئة. ولَمَّا كَانتْ تِلْك الْخَطِيئَة أو الْمَعْصِية كَبيرَةً جِدًّا ولا يُمْكِن لأيِّ أُضْحِيةٍ مِنَ الأَغْنَام أو الأَبْقَار أوْ غَيرِهَا مِنَ الْحَيوانَات مَهْما بَلغَ عَددُها أنَّ تُـكَـفِّر عَنْهَا؛ لَمْ تَكُن هُنَاكَ وَسِيلَةٌ أوْ سَبيلٌ أَمَامَ اللهِ (سُبْحَانه وتَعَالى عَمَّا يَقُولُون) لِتَكْفِير تِلْك الْخَطِيئة عَنِ الْبَشَريَّة والْجَمْع بَينَ عَدْلِه ورَحْمَتِه ومُصَالَحَته مَعَ الْبَشريَّة إلَّا أنْ يُرْسِل اللهُ ابْنَه الْوحِيدَ يَسُوعَ -عَيسَى ابنَ مَرْيمَ ڠ- الَّذِي تَجَسَّد بِهَيْئَةٍ بَشَرِيَّةٍ ونَزَلَ إِلَى الأَرْض لِكَي يُهانَ ويُعذَّبَ ويُقَتلَ عَلى الصَّليبِ وهُو راضٍ! لِيَكُونَ هُو الأُضْحِية أو الفَادِي أو الْمُخَلِّص الَّذِي يَفدِي ويُـخَلِّص كُلَّ مَن يُؤمِن بِأَنَّ يَسُوع هو ابنُ اللهِ الْوحِيد، وأنَّه قُـتِل عَلى الصَّليب لِيفْدِيهم بِنَفْسِه مِنْ تِلْك الْخَطِيئة، ويُصَالِحهم مَعَ أَبِيه الله -سَبْحانه وتَعَالَى عَمَّا يَصِفُون- الَّذِي كَانَ غَضْبَانًا عَلَيهِمْ.


وأنَّه بَعْدَ أنْ دُفِن لِمُدَّةِ ثَلاثَةِ أيَّامٍ بِلَيَالِيهَا قَامَ مِنَ الْمَوتِ وقَامَ لِتَلامِيذِه وغَيرِهم، وبَعْدَ أَرْبَعينَ يَومًا رُفِع إِلى السَّمَاء وجَلَس عَلَى يَمِينِ اللهِ، وأنَّه سَيَعُود للأَرْضِ مَرةً ثَانِيةً ليُحاسِب الأَحْياءَ والأَمَوات!


وهَذَا هُو التَّكييفُ أو التَّعْلِيل الَّذِي اعْتَمَد عَليه بُولِس في دعواه بألوهية الْمَسِيح عِيْسَى ابنِ مَريمَ ڠ، وقدَّمه إِلَى الْوثَنِيينَ الأَوربِّيينَ وغَيرِهمْ مِنْ شُعوبِ الإِمْبِراطُوريَّة الرُّومَانِيَّة, لا كَرَسُولٍ مِنَ اللهِ  إِلَى بَني إسْرَائِيل، وإنَّمَا كَابنٍ للهِ نَزَلَ إِلَى الأَرْضِ لِكَي يُهانَ ويُقتلَ عَلَى الصَّلِيب، لِكَي يَفْدِيَهمْ بِنَفْسِه ويُنْقِذَهمْ مِنْ غَضَبِ أَبِيه الإلـٰه، لِكَي يَغْفِرَ لَهُمْ خَطِيئةَ أَبِيهِمْ آدَمَ وأمِّهِم حَوَّاءَ الَّتي تَوارَثُوهَا مِنْهُما فِيمَا عُرِف عِنْدَهُم بِاسمِ «الْخَطِيئَةِ» أو «الْمَعْصِية الأُولى».

وبِهَذِه الْعَقَائِد الْوثَنِيَّة ازْدَادَت أَعْدَادُ الْوثَنِيينَ الأَورُبِّيينَ وغَيرِهم الدَّاخِلين إِلى هَذِه الدِّيَانة الْجَدِيدَة الْقَرِيبة مِنْ أَفْهَامِهمْ ومُعْتَقَدَاتِهِمْ ومَا اعْتَادُوا عَلَيه، والَّتي سَتُعْرف فِيمَا بَعْدُ بِاسْمِ (الْمَسِيحيَّة)»(1 ).انْتَهى كَلامُه حَفِظَه الله( 2).

المراجع

  1. (ص102 - 103) من كتاب: «تاريخ النصرانية - مدخل لنشأتها ومراحل تطورها عبر التاريخ» بتصرف يسير.
  2. انظر لبيان خرافة هذه العقيدة: كتاب «أربعون دليلًا على بطلان عقيدة توارث الخطيئة وصلب المسيح»، تأليف: ماجد بن سليمان الرسي، وهو منشور في شبكة المعلومات بهذا العنوان.
السابق التالى

مقالات مرتبطة بـ النقطة الخامسة من الادلة التاريخية علي مقولة (ان المسيح رب)

معرفة الله | علم وعَملIt's a beautiful day