التحريف الكنائسي الأول


ماجد بن سليمان

التَّحِريف الكَنَائِسي الأَوَّل، وهو الطامة الثانية على دين المسيح، إذ الطامة الأولى ما حصل من تحريف بولس

في مَطْلَع القَرنِ الرَّابِع الْمِيلادِي اشْتَدَّ النِّزَاعُ وثَارَت نَيرانُ الْخِلاف بَيْنَ القَسَاوِسة الْمَسِيحيينَ حَوْلَ شَخصِ الْمَسِيح، أَهُو إِنْسَانٌ أمْ إلـٰهٌ، وذَلِك أنَّ قِـسًّا مِصْريًّا يُدْعَى (آريوس) تَقَدَّم بِرَأيٍ إِلى كَنِيسَتِه قَالَ فِيه بِأنَّ اللهَ وَاحدٌ ولَيْسَ لهُ ابنٌ، واحْتَجَّ عَلى هَذَا بحُجَجٍ عَقليَّةٍ صَحِيحةٍ، فَنَشَأَ خِلافٌ في الْكَنِيسَة الْمِصْرِيَّة، ثمَّ امْتَدَّ الْخِلافُ إِلى الْكَنِيسَة الْعَامَّة في رُومَا، فَحَصَلتْ إِشْكَالاتٌ كَثيرةٌ بَينَ رِجَالِ الدِّينِ الْمَسِيحيِّ مَا بَينَ مُؤيَّدٍ ومُعَارِض، وكَانَت الإِمْبَراطُوريَّة الرُّومَانِيَّة هِي الْحَاكِمَة في ذَلِك الزَّمَان، ولمْ تَكُنْ مُعْتَنِقَةً للدِّيَانَة الْمَسِيحيَّة آنَذَاكَ، بَلْ كَانُوا وثَنِيينَ، عِنْدهُمْ عَددٌ مِن الآلِهَة يَعْبدُونَهَا؛ آلَهِةٌ للزَّرِع، وآلِهَةٌ للْعَسْكر، وآلِهَةٌ للْمَاشِية، وهَكَذَا، ولمْ يَكُونُوا يُؤمِنُون بِنَبيٍّ ولا بِدِينٍ سَمَاويٍّ.


فما كان من الإِمْبَرَاطُور الرُّومَانيِّ آنذاك قُسْطَنْطِين إلا أن قَامَ بِمُحَاوَلةٍ لوَأْدِ هَذَا الْخِلاف الَّذِي سَيُفرِّق الأُمَّة ويُهَدِّد الأَمْنَ الدَّاخِلي، فَأَمَرَ بِعَقْد مَجْمَعٍ عَامٍّ للأَسَاقِفَة والبَطَارِكَة في أَحَدِ قُصُورِه في مَدِينَةِ نِيقْيَة -قُرْب مَدِينَة اسْطَنْبُول حَاليًا- لمناقشة هذا الخلاف وحَلِّهِ والخروج بقرار مُوحَّد قبل أن يتسع الخلاف ويصعب السيطرة عليه، الأمر الذي قد يؤدي إلى تفكك دولته من الداخل، وقد كان انعقاد ذَلِك الـمَجْـمَـع في عَام 325م، فَاجْتَمَعُوا وكَانَ عَدَدُهم 2048، وكَانَ مِنْهُم 318 يَقُولُون بِأُلُوهِيَّة الْمَسِيح (أي نحو 16%)، والْبَقِيَّة وعَدَدُهُم 1730 (84 %) يَقُولُون بِأَنَّ الْمَسِيح بَشَر.


ونَظرًا لأَنَّ قُسْطَنْطين كَانَت عَقِيدَتُهُ وثَنِيَّةً مِنَ الأَصْل فَإِنَّه مَالَ إِلى قَوْل القَائِلينَ بِأُلُوهِيَّة الْمَسِيح وأنَّه ابنُ اللهِ مَعَ أَنَّهُم الأَقَلُّ عَددًا، فَنَصَرهم نَصْرًا مَؤزَّرًا، فَقرَّر الْمَجْمَع أُلوهِيَّة الْمَسِيح وأَنَّه ابنُ اللهِ، وذَلِك بَعْد اجْتِمَاعاتٍ دَامَت أَكْثَرَ مِن ثَلاثَةِ أَشْهرٍ، وجعلوا هذا القرار مِنْ ضِمْن قَانونِ الإِيمَانِ الْمَسِيحيِّ الَّذِي أَصْدَرَه الْمَجْمعُ، فَانْقَلبتِ الْكِفَّة لِصَالح الْقاَئِلين بِأُلوهِيَّة الْمَسِيح بِقُوةِ السُّلْطَان بَعْد أَنْ كَانُوا أَقليَّةً، ورُفِع السِّتَار رسميًّا عنْ مَسِيحيَّة بُولِس، الَّذِي هَلَك قَبل نَحْو ثَلاثةِ قُرونٍ مِن هَذَا الْحَدَث.


فوحَّد قُسْطَنْطِينُ بهذا القرار جَبْهتَه الدَّاخِليَّة عَلى حِسَاب دِينِ الْمَسِيح الأَصْلِي لِمَصْلَحة تَوْحِيد مَمْلَكتِه ووأْدِ الْخِلافَ فِيهَا، ولَيْسَ هَذَا بِغَرِيب عَلَى أَمْثَاله مِـمَّن الْغَايَةُ عِنْدَهُم تُبَرِّر الْوسِيلَة، فَإِنَّ هَدَفَه هُو تَوحِيدُ الْكَنِيسَة وعَدَمُ حُصُول الانْقِسَامات فِيهَا، لِكَي يَتَفَرَّغ لِمُواجَهَةِ مُنَافِسيهِ عَلَى السُّلْطَة في الدَّاخِل والأَعْدَاء الْخَارِجيينَ، وليس اتخاذه لهذا القرار عن اقتناع بهذه العقيدة، يَدلُّ لِهَذَا بِكُلِّ وضُوحٍ أنَّه لمْ يَكُنْ مَسيحيًّا آنَذَاك، وإنما فعل ذلك لأن الانقسام في المجتمع المسيحي يُضعف دولته من الداخل، فأراد وأدهُ، فَمَنَع قُسْطَنطينُ القَوْل الَّذِي جَاء بِه آريوس؛ أي الْقَول بِأَنَّ الْمَسِيح بَشَرٌ ولَيْس إلـٰهًا، ونَفَاهُ ومَنْ مَعَه خَارِج الْبِلاد، واعتُبِروا مُعَارِضينَ للإِمْبَراطُور الرُّومَانيِّ قُسْطَنطين، وخَارِجِين عَنِ النِّظَام الْعَام للإمْبَراطُوريَّة الرُّومَانِيَّة، وأَصْدَر مَرْسُومًا بِحرْقِ كُتُبِه، ومَنِ احْتَفَظَ بِشَيءٍ مِنْها فَإِنَّ عُقوبَتَه الإِعْدام.


وقَدْ كَانَ هَذَا القرار من قُسطنطين هُو الطَّامَّة الثَّانِية عَلى دِين الْمَسِيح بَعْد طَامَّةِ تَحْريفِ بُولس لِهَا، وقد أكسب قُسطنطين تحريفات طابع الرسمية والهيبة السلطانية بعد أن لم تكُن كذلك.


يُلاحَظ أنَّ قُسْطَنطينَ فَعَلَ ما فعله قَبْل أَنْ يَتَنَصَّر؛ أي أنه لمْ يَكُنْ مُعْتَنقًا للْمَسِيحيَّة آنَذَاكَ.


يُلاحظ كذلك أنَّ فرضَ قُسطنطين للقرار كَان محصورًا في المجتمع المسيحي، لكون الخِلاف كان محصُورًا فيهم كمجتَمع له دِينه الخاص به في وسط الإمبراطورية الرُّومانيَّة الوَثنيَّة، أمَّا الرومان - وهم الأغلبية - فباقُون على دينهم، ثمَّ لما اعتنقَ قُسطنطين الْمَسِيحيَّة بَعْد مَجْمَع نِيقيَة بِسَنَوات فرض المسيحية على جميع سكان الإمبراطورية كما سيأتي بيانه قريبًا.


ويُلاحظ أيضًا أن قُسْطَنطينَ فرض القول بألوهيَّة المسيح بالرغم من أن القائلين به كانوا هم الأقلية في الـمَـجمع (نحو 16 %) في مقابل الذين قالوا بأن الله واحدٌ في ذاته، ليس له ابن، فنِسبتهم 84 % من مجموع عدد الحاضرين، ولكنه اختار قول الأقلية وفرضه بالقوة على المسيحيين لأنه أقرب إلى عقيدته الوثنية التي تنص على نزول آلهة من السماء، فهو أحَـبُّ إليه من القول الآخر بطبيعة الحال.


قَالَ (وِل ديورانت)(1): «إنَّه بِفَضْل جُهودِ قُسْطَنطينَ أَضْحتِ الْمَسِيحيَّة دَولةً ودِينًا، وأَمْستْ هِي القَالب الَّذِي صُـبَّت فِيه الْحَياة الأَدَبيَّة والْفِكر الأُوربي عَلى مَدَى أَرْبَعة عَشَر قرنًا(2)»(3).


تَنبيه
لمْ يَسْتَطِعْ مَجمعُ نِيقيَة الْقَضَاء عَلى الْوحَدَانيَّة الَّتي كَان يَدعُو لَهَا الأُسْقف آريوس، فَقدْ كَانَ التَّوحيدُ هُو الْغَالبَ بَينَ الْمَسِيحيينَ فِي القُسْطَنطينيَّة وأَنْطَاكية وبَابِل والإِسْكَندريَّة وأَسْيوط وبَيْت الْمَقْدسِ وقَيْصَرية فِلَسْطين وصُور، فأَخذَ الأَسَاقِفةُ غَيرُ الـمُوحِّـدين يُسيطِرُونَ عَلى الْمَسِيحيينَ بِالرُّؤى والأَحْلامِ حتَّى اخْتَفى مَذْهبُ التَّوحيد(4)، ولمْ يَبْقَ عَلى السَّاحَة
إلَّا مَذْهب تَألِيه الْمَسِيح(5).

ويَا لَلْعَجَب! لمْ يَتَّفِقِ القَسَاوِسَة عَلى أنَّ الْمَسِيح ابنُ اللهِ إلَّا بَعْد 300 سَنَةٍ مِنْ رَفْعِ الْمَسِيح! 


فَهلْ يُمْكِن أَنْ تَكُون هَذِه الْعَقِيدة صَحِيحَةً بَعْدَ هَذِه الْفَترة الزَّمَنيَّة الْبَعِيدَة، ولا تَكُون صَحِيحةً أَثْنَاء وجُودِ الْمَسِيح عَلى الأَرْض؟!


 قَرَاراتٌ أُخْرى لِمَجْمَع نِيقيَة
تَقدَّم ذِكْرُ أنَّ القَرارَ الرَّئيِس لِمَجْمَع نِيقية هُو اعْتِمَادُ ألُوهِيَّة الْمَسِيح، وأنَّه ابنُ اللهِ، وقَدْ صَحِبَ هَذَا الْقَرَار قَرَاراتٌ بَشَريَّةٌ أُخْرَى مُدَمِّرةٌ لِدينِ الْمَسِيح، وهِي:
1-  اعْتِمَاد أَرْبَعة أَنَاجِيل فَقَط، يُطْلَق عَلَيهَا اسْم «الْعَهْد الْجَدِيد»، واعْتُبرت الأَنَاجِيل الأُخْرَى الَّتي كَانَ عَدَدُها يَرْبُو عَلى السَّبعِينَ إِنْجِيلًا -ومِنْهَا أَنَاجِيل الـمُوحِّـدِين، مِثل إِنْجِيل برنَاَبا- مُزَيَّفةً وغَير قَانُونيَّةٍ ومُحَرَّمةً، يَجبُ إِحْرَاقُها عَلى الْفَوْر، ومَنْع اطِّلَاع الْمَسِيحيينَ عَليهَا، وجَعَل عُقُوبة مَنْ تُوجَد بِحَوْزَته الإِعْدَام.
2-  اعْتَمَد هَذَا الْمَجْمع سِتَّ عَشْرةَ رِسَالةً فَقَطْ مِن رَسَائِل مَن يَدْعُونَهُم بِالرُّسُل، اعْتَبَرهَا الْمَجْمَع صَحِيحةً، سَواءٌ في مَا يَخُصُّ مُحْتَويَاتِهَا أوْ في نِسْبَتِها إِلى مُؤلِّفِيها، وأَلْحَقَها بِالأَنَاجِيل الأَرْبَعة، واعْتَبر مَا عَدَاهَا مِنَ الرَّسَائِل مُزيَّفَةً ومَدْسُوسةً عَلى مُؤلِّفِيهَا.
وقدْ جَاءَت مَجَامِع أُخْرَى بَعْدَ هَذَا الْمَجْمَع، واعْتَمَدت سَبع رَسَائِل إِضَافِيَّةً وأَلْحَقَتْهَا بِالأَنَاجِيل، كَانَ مَجْمَع نِيقْيَة قَدْ رَفَضَهَا، واعْتَبرَهَا مُزَيَّفةً ومَنْحُولةً عَلى مُؤلِّفِيها.
3-  قَامَ مَجْمَع نِيقيَة بِرَفضِ بَعْض كُتُب الْعَهْد القَدِيم -التَّوْرَاة والْكُتُب التَّابِعة لَهَا- حَيْثُ اعْتَبرَهَا مُزَيَّفةً ومُدْسُوسةً، ثمَّ جَاءت مِن بَعْدِه مَجَامِع أُخْرَى أَعَادَتِ الاعْتِرَاف بِتلْك الْكُتُب.
4-  تمَّ لَعْنُ وطَرْدُ وحِرْمانُ الْمُخَالِفينَ لِقَرَارَاتِ هَذَا الْمَجْمَع مِنْ حَظِيرة الْكَنِيسة، وعَلَى رَأْسِهم الأُسْقُف الْمِصْري الـمُوَحِّـد (آريوس) الَّذِي قَال بِوحْدَانيَّة اللهِ، وحَرْقُ كُتُبه، وإعْدامُ مَن تُوجَد بِحَوزَتِه.
5- تَقَرَّر مَنْعُ زَواجِ الرُّهْبانِ، وقَد كَانَ ذَلِك القَرارُ الْمُنَاقِض للْفِطْرة السَّلِيمة سَببًا لِمَآسٍ ومَشَاكِل جِنْسِيَّةٍ لأُولَئكَ الرُّهْبَان لا حَصَرَ لَهَا مُنذُ ذَلِك الْيَوم وإِلَى يَومِنَا هَذَا، والْمُتَمَثِّل فِي الْعلاقَات السِّريَّة الْقَذِرة بَينَ الرُّهْبانِ والرَّاهِبات فِي الْكِنَائِس.
وقَدْ ذكَر القُرآنُ الْكَريمُ رُهبان الْمَسِيحييَن - الذين شَدَّدُوا عَلى أَنْفُسِهم بِتَشْريع شَرَائِعَ لمْ تَرِدْ في الإِنْجِيل ومِنْهَا مَنعُ الزَّواج عَلَى أَنْفُسِهم - فَقَال:
﴿ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ﴾(6).


وتَفْسِير الآيةِ: ابْتَدَع مَن يَدَّعُون أَنَّهُم أَتْباعُ الْمَسِيح رَهْبَانيةً بِالتَّشَدُّد في الْعِبَادَة، مَا فَرَضْنَاهَا عَلْيهِم، بَلْ هُم الَّذِين الْتَزَمُوا بِهَا مِنْ تِلْقَاء أَنْفُسِهم، قَصْدُهم بِذَلِك رِضَا اللهِ، وهَذِه الرَّهْبَانِيَّة في الْحَقِيقَة لَيْسَ لَهَا علاقةٌ بِرضَا اللهِ، لأنَّ اللهَ لمْ يَأمُرْ بِذَلكَ عَلَى لِسَانِ نَبيِّه الْمَسِيح عِيسَى ابنِ مَرْيم، فَكَيفَ يَكُونُ فِعْل مَا لمْ يَأْمُرْ بِه اللهُ سَببًا في رِضَا الله؟!


الطامة الثالثة على دين المسيح: دخول قُسطنطين في المسيحية، وفرضها بالقوة في المجتمع الروماني
دخل قُسطنطين في المسيحية، وكان ذلك بعد مَـجْـمَـع نيقية بسنوات، وترك دينه القديم الذي هو الوثنية الخالصة، الأمر الذي أدى إلى تقوية الدين المسيحي بشكل هائل، وكان أولُ ذلك أنه فرض اعتناق الدين المسيحي على جميع سكان الإمبراطورية، مع أن المسيح نفسه لم يُرسل إلَّا إلى بني إسرائيل وليس إلى الرومان!


فَفِي «إنْجِيل مَتَّى» (15/24) أنَّ يَسُوع قَال: «لَمْ أُرْسَلْ إِلَّا إِلَى خِرافِ بَيْتِ إسْرَائِيلَ الضَّالَّة».
يَذْكرُ الْمُؤرِّخ الْمَسِيحيُّ سَعيدُ بنُ الْبطريقِ فَائِدةً تَارِيخيَّةً تَتَعلَّق بِاسْتِعْمَال قُسْطَنطينَ قُوَّتَه كَسُلْطَان في نَشْر الْمَسِيحيَّة، قَالَ ما مَعْنَاه: 
لَمَّا تَنَصَّر(7) الإِمْبَراطُور قُسْطَنطينُ بَعْدَ مَجْمَع نِيقيَة بِسَنواتٍ، أَمَرَ بِكَسْرِ الأَصْنَامِ وقَتْلِ مَنْ يَعْبدُها، وحَـصَر قِيادَةَ الْجَيشِ بِالنَّصَارَى.
ثمَّ أَمَرَ أنْ يُـبْحَثَ عَنْ مَكَانِ قَبْر الْمَسِيح وصَلِيبه، فَقَامَت أَمُّه هيلانة -أو هلينا- بِتلْك الْمَهَمَّة بِنَفْسِها، وسَافَرت إِلى بَيتِ الْمَقْدِس، حَيثُ بَنَت كَنِيسةَ الْقِيامَة -لا تَزَالُ مَوجُودة إِلى الْيَوْم- عَلَى الْمَكَان الْمَزْعُوم أنَّ السَّيِّد الْمَسِيح قَدْ قُبِر فِيه لِمُدَّة ثَلاثَةِ أَيَّامٍ قَبْلَ أنْ يَقُوم مِنْ قَبْرِه، ولِذَلِك سُمِّيت هَذِه الْكَنِيسَة بـ«كَنِيسَة الْقِيامَة»(8).


وبَحَثتْ هيلانة عنِ الصَّلِيب الَّذي زُعِم أنَّ السَّيِّد الْمَسِيح قَدْ صُلِب عَلَيه وكَانَ مَدْفُونًا، وعَادَت بِه إِلى ابْنِها الإِمْبَراطُور قُسْطَنطينَ بَعْد أنَّ غلَّفَتْه بِالذَّهَب، ثمَّ أَمَرَ الإِمْبَراطُور قُسْطَنطينُ بِطَرْد الْيَهُود مَنْ بِبَيت الْمَقْدِس، كَمَا أَمَرَ بِقَتْل كُلِّ مَنْ لمْ يَتَنَصَّر، فَتَنصَّر خَلقٌ كَثيرٌ مِن الْيَهُود والوثَنِيينَ، وظَهَرَ دِينُ الْمَسِيحيَّة(9).


أَقُولُ: هَذَا تَطَورٌ جَديدٌ للْمَسِيحيةِ في عَهْد قُسْطَنطين، فَقُسْطَنطينُ بَعْد مَجْمَع نِيقْية طَمَسَ القَوْل بِبَشَريَّة الْمَسِيح، والَّذِي حَاوَل آريوس إظْهَاره، وأَظْهَر الْقَول بِأَنَّه إلـٰهٌ وابنُ الإلـٰهِ، وفِعْلُ قُسْطَنطينَ هَذَا لمْ يَتَعدَّ جُمْهور الْمَسِيحيينَ الْمُنْتَمينَ للْكَنِيسَة، ثمَّ بَعْدَ دُخُولِه في الْمَسِيحيَّة صَارَ يُلْزِم النَّاسَ جَمِيعًا بِالدُّخُولِ في الْمَسِيحيَّة، أعْنِي الْوثَنِيينَ الرُّومَان الَّذِين لمْ يَدْخُلُوا الْمَسِيحيَّة ابْتِدَاءً!

المراجع

  1. «وِل ديورانت»، (1885 - 1981م)، فيلسوف ومؤرخ وكاتب أمريكي، من أشهر مؤلفاته: كتاب «قصة الحضارة»، والذي شاركته زوجته أريل ديورانت في تأليفه. (المصدر: Wikipedia).
  2. توفي (وِل) عام (1981م)، وبناء عليه فهو يقصد بقوله: (على مدى أربعة عشر قرنًا) أي: القرن السادس الميلادي وما بعده.
  3.  «قصة الحضارة» (1/403).
  4. أي: مذهب القول بأن الله واحدٌ في ذاته، ولا يستحق العبادة إلا هو وحدهُ.
  5. انظر: كتاب «محاضرات في النصرانية» لمحمد أبو زهرة، (ص121 وما بعدها)، وكتاب «الروم» لأسد رستم، (1/60، 61).
  6. سورة الحديد:27.
  7. تنصَّر: أي: صار نصرانيًّا، أي: مسيحيًّا بالمصطلح السائد.
  8. سميت هذه الكنيسة بهذا الاسم نسبة إلى قيام المسيح من قبره -بحسب اعتقادهم-، وليس نسبة إلى يوم القيامة.
  9. «تاريخ ابن البطريق» (1/128-130).
السابق التالى

مقالات مرتبطة بـ التحريف الكنائسي الأول

معرفة الله | علم وعَملIt's a beautiful day